كان امر به، وتقدم فيه فيتركه ويعمل بما شاروا به، كما جرى يوم الخندق في مصانعته الأحزاب بثلث تمر المدينة، فإنهم أشاروا عليه بترك ذلك، فتركه وهذه كانت قاعدته معهم، وعادته بينهم، وقد كان لعلي (عليه السلام) ان يعتل بعلة، وان يقف ويقول: يا رسول الله، أكون معك أحميك من العدو، وأذب بسيفي عنك، فلست مستغنيا في خروجك عن مثلي، ونجعل عبدا من عبيدنا في فراشك، قائما مقامك يتوهم القوم - برؤيته نائما في بردك - انك لم تخرج، ولم تفارق مركزك، فلم يقل ذلك، ولا تحبس ولا توقف، ولا تلعثم، وذلك لعلم كل واحد منهما عليهما الصلاة والسلام ان أحدا لا يصبر على ثقل هذه المحنة، ولا يتورط هذه الهلكة، إلا من خصه الله تعالى بالصبر على مشقتها، والفوز بفضيلتها، وله من جنس ذلك أفعال كثيرة، كيوم دعا عمرو بن عبد ود المسلمين إلى المبارزة، فأحجم الناس كلهم عنه، لما علموا من بأسه وشدته، ثم كرر النداء، فقام علي (عليه السلام)، فقال: انا أبرز إليه، فلما خرج قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " برز الإيمان كله إلى الشرك كله "، وكيوم أحد حيث حمى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أبطال قريش وهم يقصدون قتله، فقتلهم دونه حتى قال جبرئيل (عليه السلام):
" يا محمد ان هذه هي المواساة " فقال: " إنه مني وأنا منه " فقال جبرئيل: " وانا منكما ".
ولو عددنا أيامه ومقاماته التي شرى فيها نفسه لله تعالى لأطلنا وأسهبنا.
قال الجاحظ: فان احتج محتج على علي (عليه السلام) بالمبيت على الفراش، فبين الغار والفراش، فرق واضح لان الغار وصحبة أبي بكر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نطق به القرآن فصار كالصلاة والزكاة وغيرهما، مما نطق به الكتاب، وأمر علي (عليه السلام) ونومه على الفراش، وان كان ثابتا صحيحا، إلا أنه لم يذكر في القرآن، وانما جاء مجئ الروايات والسير وهذا لا يوازن هذا ولا يكايله (1).