منها انه وان كان عنده في موضع الثقة فإنه غير مأمون عليه إلا بضبط السر فيفسد التدبير بإفشائه تلك الليلة إلى من يلقيه إلى الأعداء.
ومنها انه كان ضابطا للسر وثقة عند من اختاره، فغير مأمون عليه الجبن عند مفاجأة المكروه، ومباشرة الأهوال، فيفر من الفراش فيفطن لموضع الحيلة، ويطلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيظفر به.
ومنها انه وان كان ثقة ضابطا للسر، شجاعا نجدا، فلعله غير محتمل للمبيت على الفراش، لان هذا امر خارج عن الشجاعة ان كان قد قامه مقام المكتوف الممنوع، بل هو أشد مشقة من المكتوف الممنوع، لان المكتوف الممنوع، يعلم من نفسه انه لا سبيل له إلى الهرب، وهذا يجد السبيل إلى الهرب وإلى الدفع عن نفسه، ولا يهرب ولا يدافع.
ومنها انه وان كان ثقة عنده، ضابطا للسر شجاعا محتملا للمبيت على الفراش، فإنه غير مأمون ان يذهب صبره عند العقوبة الواقعة، والعذاب النازل بساحته، حتى يبوح بما عنده، ويصير إلى الاقرار بما يعلمه، وهو انه اخذ طريق كذا فيطلب فيؤخذ فلهذا قال علماء المسلمين: ان فضيلة علي (عليه السلام) تلك الليلة لا نعلم أحدا من البشر قال مثلها، إلا ما كان من إسماعيل وإبراهيم عند استسلامه للذبح، ولولا ان الأنبياء لا يفضلهم غيرهم لقلنا: ان محنة علي أعظم، لأنه قد روي ان إسماعيل قد تلكأ لما امره ان يضطجع، وبكى على نفسه، وقد كان أبوه يعلم ان عنده في ذلك وقفة، ولذلك قال له: (فانظر ماذا ترى) (1).
وحال علي (عليه السلام) بخلاف ذلك، لأنه ما تلكأ ولا تتعتع ولا تغير لونه ولا اضطربت أعضاؤه، ولقد ان أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يشيرون عليه بالرأي المخالف لما