أرسلت لهؤلاء بالذبح، وان الله تعالى سيغنمنا أموالهم، ويملكنا ديارهم، فالقول في الموضعين متساو ومتفق.
قال الجاحظ: وان بين المحنة في الدهر الذي صار فيه أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مقرنين لأهل مكة ومشركي قريش، ومعهم أهل يثرب أصحاب النخيل، والآطام والشجاعة والصبر والمواساة والايثار والمحاماة والعدد الدثر، والفعل الجزل، وبين الدهر الذي كانوا فيه بمكة يفتنون ويشتمون ويضربون، ويشردون، ويجوعون ويعطشون مقهورين لا حراك بهم، وأذلاء، لا عز لهم، وفقراء لا مال عندهم، ومستخفين لا يمكنهم إظهار دعوتهم لفرقا واضحا، ولقد كانوا في حال أحوجت لوطا وهو نبي إلى أن قال: (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) (1)، وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " عجبت من أخي لوط، كيف قال: أو آوي إلى ركن شديد، وهو يأوى إلى الله تعالى " ثم لم يكن ذلك يوما ولا يومين ولا شهرا ولا شهرين، ولا عاما ولا عامين، ولكن السنين بعد السنين. وكان أغلظ القوم وأشدهم محنة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبو بكر، لأنه أقام بمكة ما أقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث عشرة سنة، وهو أوسط ما قالوا في مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (2) قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): ما نرى الجاحظ احتج لكون أبي بكر أغلظهم وأشدهم محنة، إلا بقوله: لأنه أقام بمكة مدة مقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بها، وهذه الحجة لا تخص أبا بكر وحده لأن عليا (عليه السلام) أقام معه هذه المدة، وكذلك طلحة وزيد، وعبد الرحمن وبلال وخباب وغيرهم وقد كان الواجب عليه ان يخص أبا بكر وحده بحجة تدل على أنه كان أغلظ الجماعة وأشدهم محنة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فالاحتجاج في نفسه فاسد.
ثم يقال له: ما بالك اهملت امر مبيت علي (عليه السلام) على الفراش بمكة ليلة