قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله)، هذا هو الكذب الصراح والتحريف والادخال في الرواية ما ليس منها، والمعروف المنقول انه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له: اذهب فاضطجع في مضجعي، وتغش ببردي الحضرمي، فان القوم سيفقدونني، ولا يشهدون مضجعي فلعلهم إذا رأوك يسكنهم ذلك حتى يصبحوا، فإذا أصبحت فاغد في أداء أمانتي، ولم ينقل ما ذكره الجاحظ، وانما ولده أبو بكر الأصم، وأخذه الجاحظ، ولا أصل له، ولو كان هذا صحيحا لم يصل إليه منهم مكروه، وقد وقع الاتفاق على أنه ضرب ورمي بالحجارة قبل أن يعلموا من هو حتى تضور، وانهم قالوا له: رأينا تضورك، فانا كنا نرمي محمدا لا يتضور، ولأن لفظة المكروه ان كان قالها إنما يراد بها القتل، فهب أنه أمن القتل، كيف يأمن من الضرب والهوان، ومن أن ينقطع بعض أعضائه، وبأن سلمت نفسه! أليس الله تعالى قال لنبيه (بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) (1).
ومع ذلك فقد كسرت رباعيته وشج وجهه، وأدميت ساقه، وذلك لأنها عصمة من القتل خاصة، وكذلك المكروه الذي أومن علي (عليه السلام) منه - ان كان صح ذلك في الحديث - انما هو مكروه القتل.
ثم يقال له: أبو بكر لا فضيلة له أيضا في كونه في الغار لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له: " لا تحزن ان الله معنا " ومن يكن الله معه فهو آمن لا محالة من كل سوء، فكيف قلت: ولم ينقل ناقل أنه قال لأبي بكر في الغار مثل ذلك! فكل ما يجيب به عن هذا فهو جوابنا عما أورده، فنقول له: هذا ينقلب عليك في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن الله تعالى وعده بظهور دينه وعاقبته أمره، فيجب على قولك ألا يكون مثابا عند الله. على ما يحتمله من المكروه ولا ما يصيبه من الأذى، إذ كان قد أيقن بالسلامة والفتح في عدته.