ما يريد، ويجلس مع من يحب، مخلى سر به طيبة نفسه، ساكنا قلبه، وعلي يقاسي الغمرات، ويكابد الأهوال ويجوع ويظمأ ويتوقع القتل صباحا ومساء، لأنه كان هو المتوصل المحتال في احضار قوت زهيد من شيوخ قريش وعقلائها سرا، ليقيم به رمق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبني هاشم، وهم في الحصار، ولا يأمن في كل وقت مفاجأة أعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقتل، كأبي جهل بن هشام وعقبة بن أبي معيط، والوليد بن مغيرة، وعتبة بن ربيعة وغيرهم من فراعنة قريش وجبابرتها، ولقد كان يجيع نفسه ويطعم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زاده، ويظمئ نفسه ويسقيه ماءه، وهو كان المعلل له إذا مرض، والمؤنس له إذا استوحش، وأبو بكر بنجوة عن ذلك لا يمسه مما يمسهم ألم، ولم يلحقه مما يلحقهم مشقة، ولا يعلم بشئ من أخبارهم وأحوالهم، إلا على سبيل الاجمال دون التفصيل ثلاث سنين محرمة معاملتهم ومناكحتهم ومجالستهم، محبوسين محصورين ممنوعين من الخروج والتصرف في أنفسهم، فكيف أهمل الجاحظ هذه الفضيلة، ونسي هذه الخصيصة، ولا نظير لها، ولكن لا يبالي الجاحظ بعد أن يسوغ له لفظه، وتنسق له خطابته، ما ضيع من المعنى، ورجع عليه من الخطأ!
فأما قوله: واعلموا ان العاقبة للمتقين، ففيه إشارة إلى معنى غامض قصده الجاحظ - يعني أن لا فضيلة لعلي (عليه السلام) في الجهاد، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان اعلمه انه منصور وان العاقبة له - وهذا من دسائس الجاحظ وهمزاته ولمزاته، وليس بحق ما قاله لان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اعلم أصحابه جملة ان العاقبة لهم، ولم يعلم واحدا منهم بعينه انه لا يناله الضرب الشديد، وعلى ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد اعلم أصحابه قبل يوم بدر - وهو يومئذ في مكة - ان العاقبة لهم كما اعلم أصحابه بعد الهجرة ذلك، فلا فضيلة لأبي بكر وغيره في احتمال المشاق قبل الهجرة: لاعلامه إياهم بذلك، فقد جاء في الخبر أنه وعد أبا بكر قبل الهجرة بالنصر، وانه قال له: