استفاض بأبي طالب، فأنتم تعلمون انه ليس تيم في بعد الصيت كهاشم، ولا أبو قحافة كأبي طالب، وعلى حسب ذلك يعلو ذكر الفتى على ذي السن، ويبعد صيت الحدث على الشيخ، ومعلوم أيضا أن عليا على أعناق المشركين أثقل إذ كان هاشميا، وان كان أبوه حامي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمانع لحوزته، وعلي هو الذي فتح على العرب باب الخلاف، واستهان بهم، بما أظهر من الاسلام والصلاة، وخالف رهطه وعشيرته، وأطاع ابن عمه فيما لم يعرف من قبل، ولا عهد له نظير، كما قال تعالى: ﴿لتنذر قوما ما انذر آباؤهم فهم غافلون﴾ (1).
ثم كان بعد صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومشتكى حزنه، وأنيسه في خلوته وجليسه وأليفه في أيامه كلها، وكل هذا يوجب التحريض عليه ومعاداة العرب له، ثم أنتم معاشر العثمانية، تثبتون لابي بكر فضيلة بصحبة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من مكة إلى يثرب، ودخوله معه في الغار فقلتم: مرتبة شريفة وحالة جليلة، إذا كان شريكه في الهجرة وأنيسه في الوحشة، فأين هذه من صحبة علي (عليه السلام) له في خلوته وحيث لا يجد أنيسا غيره، ليله ونهاره، أيام مقامه بمكة يعبد الله معه سرا، ويتكلف له الحاجة جهرا، ويخدمه كالعبد يخدم مولاه ويشفق عليه ويحوطه، وكالولد يبر والده، ويعطف عليه، ولما سئلت عائشة: من كان أحب الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قالت:
اما من الرجال فعلي، واما من النساء ففاطمة.
قال الجاحظ: وكان أبو بكر من المفتونين المعذبين بمكة قبل الهجرة، فضربه نوفل بن خويلد المعروف بابن العدوية مرتين حتى أدماه وشده مع طلحة بن عبيد الله في قرن، وجعلهما في الهاجرة عمير بن عثمان بن مرة بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ولذلك كانا يدعيان القرينين، ولو لم يكن له غير ذلك لكان لحاقه عسيرا، وبلوغ منزلته شديدا، ولو كان يوما واحدا لكان عظيما، وعلي بن أبي