بعد اسلامه، وهو كأحدهم في طبقته، كبعضهم في معرفته!
وكيف لم ينزع إليهم في ساعة من ساعاته، فيقال: دعاه داعي الصبا وخاطر من خواطر الدنيا (هنا يرد على عمر حين قال لولا أن به دعابة) وحملته الغرة والحداثة على حضور لهوهم والدخول في حالهم، بل ما رأيناه إلا ماضيا على اسلامه، مصمما في أمره محققا لقوله بفعله، قد صدق اسلامه بعفافه وزهده، ولصق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بين جميع من بحضرته، فهو أمينه وأليفه في دنياه وآخرته، وقد قهر شهوته، وجاذب خواطره، صابرا على ذلك نفسه، لما يرجو من فوز العاقبة وثواب الآخرة، وقد ذكر هو (عليه السلام) في كلامه وخطبه بدء حاله، وافتتاح امره حيث أسلم لما دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الشجرة، فأقبلت تخد الأرض، فقالت قريش:
ساحر خفيف السحر!. فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله، أنا أول من يؤمن بك آمنت بالله ورسوله وصدقتك فيما جئت به، وانا اشهد ان الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله، تصديقا لنبوتك، وبرهانا على صحة دعوتك، فهل يكون ايمان قط أصح من هذا الايمان وأوثق عقدة، واحكم مرة! ولكن حنق العثمانية وغيظهم، وعصبية الجاحظ وانحرافه مما لا حيلة فيه. ثم لينظر المنصف وليدع الهوى جانبا، ليعلم نعمة الله على علي (عليه السلام) بالإسلام حيث أسلم على الوضع الذي أسلم عليه، فإنه لولا الألطاف التي خص بها، والهداية التي منحها، لما كان إلا كبعض أقارب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد كان ممازجا له كممازجته، ومخالطا له كمخالطة كثير من أهله ورهطه، ولم يستجب منهم أحد له إلا بعد حين.
ومنهم من لم يستجب له أصلا، فان جعفرا (عليه السلام) كان ملتصقا به ولم يسلم حينئذ وكان عتبة بن أبي لهب ابن عمه وصهره وزوج ابنته لم يصدقه، بل كان شديدا عليه وكان لخديجة بنون من غيره ولم يسلموا حينئذ وهم ربائبه (1) ومعه