فيه شك لما جاء به بكليته على امتثال ما أمر به واتباع سنته، كأنما صارت سنته كتابا مستورا في قلبه، لا يزال يقروه على تعاقب أحواله، ويقتبس الهدى والصلاح وجميع العلوم منه، فكلما ازداد في ذلك بصيرة وقوة ومعرفة، تزايدت صلاته وسلامه عليه، ولهذا كان فرق عظيم بين صلاة أهل العلم عليه القائمين بشريعته، العارفين بسنته وهديه المتبعين له، وبين صلاة العوام عليه، الذين حظهم منها إزعاج أعضائهم، وبها رفع أصواتهم، فصلاة العارفين بسنته عليه العالمين بما جاء به، نوع آخر، فكلما ازدادوا معرفة بما جاء به، ازدادوا له محبة ومعرفة بحقيقة الصلاة المطلوبة من الله - تعالى.
فكلما كان العبد أعرف بالله - تعالى، وله - تعالى - أطوع، وله أحب مما سواه، كان ذكره له - تعالى - غير ذكر الغافلين اللاهين، وهذا أمر إنما يعرف بالذوق لا بالوصف، وفرق بين من يذكر صفات محبوبه الذي قدم ملأ حبه جميع قلبه، ويثني عليه ويمجده بها، وبين من حظه من ذكره التلفظ بما لا يدري معناه، فلا يطابق فيه قلبه لسانه، كما أنه فرق بين بكاء النائحة وبكاء الثكلى.
فذكره صلى الله عليه وسلم وذكر ما جاء به حمدا لله - تعالى - على إنعامه علينا، ومنه بإرساله هو حياة الوجود، وروحه روح المجالس، ذكره وحديثه، وهدى لكل حيران، وإذا أخل بذكره في مجلس فأولئك الأموات في الجثمان.
السادسة والثلاثون: أنها سبب لعرض اسم المصلي عليه وذكره عنده.
السابعة والثلاثون: أنها سبب لتثبيت أقدام المصلي عليه على الصراط، لحديث سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وفيه:
ورأيت رجلا من أمتي يرجف على الصراط، ويحبو أحيانا، فجاءته صلاته علي فأقامته وأنقذته، وسيأتي بطوله إن شاء - الله تعالى - في مقامه صلى الله عليه وسلم.
الثامنة والثلاثون: أن المصلي عليه يؤدي بصلاته عليه صلى الله عليه وسلم أقل القليل من حقه، ويقوم بأيسر اليسير من شكره على نعمته، التي أنعم الله - تعالى - بها عليه في بعثته إلينا وهدايتنا به، فإن الذي يستحقه صلى الله عليه وسلم من ذلك لا يحصى علما ولا قدرة منا ولا إرادة، ولكن الله - تعالى - من كرمه يرضي من عبادة باليسر.