التاسعة والثلاثون: أنها متضمنة لذكر الله - تعالى - وشكره ومعرفة إنعامه على عبيده بإرساله صلى الله عليه وسلم فالمصلي عليه قد تضمنت صلاته عليه ذكر الله - تعالى - وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم، وسؤاله - تعالى - أن يجزيه بصلاته عليه ما هو عليه كما عرفنا ربنا - تعالى - وأسماءه وصفاته، وهدانا إلى طريق مرضاته تعالى، وعرفنا مالنا بعد الوصول إليه والقدوم، فهي متضمنة للإيمان كله، من وجود الرب المدعو سبحانه، وعلمه وسمعه وقدرته وإرادته وكلامه، وإرساله رسوله، وتصديقه فيما أرسل به كله وكمال صحبته صلى الله عليه وسلم، وهذه هي أصول الإيمان، والصلاة عليه متضمنة لعلم المصلي عليه ذلك وتصديقه به، ومحبته له، فكانت - من أجل ذلك - من أجل الأعمال.
الكرامة الأربعون: الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من المصلي عليه دعاء، وقد انقسم دعاء العبد وسؤاله ربه - تعالى - نوعين.
* أحدهما: سؤاله حوائجه ومهماته وما ينوبه في الليل والنهار، فهذا دعاء وسؤال، وإيثار لمحبوب العبد ومطلوبه.
* والثاني: سؤال العبد ربه - تعالى - أن يثني على رسول وخليله وحبيبه وأن يزيد في تشريفه وقدره كرامته وإشادة ذكره ورفعه، ولا ريب أن الله - تعالى - يحب ذلك، ورسوله أيضا يحبه، وفي هذا النوع من الدعاء يكون العبد قد آثر ما يحبه الله ورسوله على طلبه حوائجه هو، بل كان هذا المطلوب من أحب الأمور إليه وآثرها عنده فقد آثر ما يحبه الله ورسوله على ما يحبه هو ومن آثر الله ومحابه على ما سواه، كان جزاؤه من جنس عمله، فدخل في زمرة من آثره على غيره، ويا لها من رتبة، ما أجلها وأعلاها، واعتبر هذا بما تجد الناس يعتمدونه عند ملوكهم ورؤسائهم، إذا أرادوا التقرب إليهم، والمنزلة عندهم، فإنهم يسألون المطاع أن ينعم على من يعلمونه أحب إليه، وكلما سألوه أن يزيد في وكرمه وتشريفه، علت منزلتهم عنده، وازداد قربهم منه، وحظوتهم عنده، لأنهم يعلمون منه إرادة الأنعام والتشريف والتكريم لمحبوبه، فأحبهم إليه أشدهم له سؤالا، ورغبة أن يتم عليه إنعامه وإحسانه ومراده، وهذا أمر مشاهد بالحسن. ولا تكون منزلة هؤلاء، ومنزلة