محذور في أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علمه بعض الصحابة، وعلمه بعض الصحابة بعضهم (1) الآخر، وإذا احتمل هذا لم يكن هذا المشتبه المحتمل معارضا لأدلة وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيرها من واجبات الصلاة فرضا على أنه تقدم عليها، فالواجب تقديم الصريح المحكم على المشتبه المحتمل.
وقوله: الفرائض إنما تثبت بدليل صحيح لا معارض له من مثله، أو إجماع، قلنا: استمعوا أدلتنا على الوجوب، فلنا عليه أدلة، فالدليل الأول قوله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)، وجه الدلالة أن الله تعالى أمر المؤمنين بالصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره المطلق على الوجوب ما لم يقم دليل على خلافه، قد ثبت أن أصحابه صلى الله عليه وسلم قد سألوه عن كيفية هذه الصلاة المأمور بها فقال: قولوا:
اللهم صل على محمد.. الحديث. وقد ثبت أن السلام الذي علموه هو السلام عليه في الصلاة، وهو سلام التشهد، فمخرج الأمرين واحد، يوضح أنه علمهم التشهد آمرا لهم به، وفيه ذكر التسليم عليه فسألوا عن الصلاة عليه فعلمهم إياها ثم شبهها بما علموه من التسليم عليه، وهذا يدل على الصلاة والتسليم عليه في الصلاة ويتضح أنه لو كان المراد بالصلاة والتسليم عليه خارج الصلاة فيها لكان كل مسلم منهم إذا سلم عليه يقول له: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ومن المعلوم أنهم لم يكونوا يتقيدون في السلام عليه بهذه الكيفية، بل كان الداخل منهم عليه يقول: السلام عليكم، وربما قال: السلام على رسول الله، وربما قال: السلام عليه من أول الإسلام بتحية الإسلام وإنما الذي علموه قدر زائد عليها، وهو السلام عليه في الصلاة يوضحه حديث ابن إسحاق: كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ وقد صحح هذه اللفظة ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدار قطني والبيهقي كما تقدم.