ولا يقتضي أيضا هذا ظاهر السيرة في السياسة، فصح يقينا أنه صلى الله عليه وسلم متبع لما أمره به ربه تعالى، وسواء كان ذلك الأمر مضرا به في ظاهر الأمر غاية الإضرار أو غير مضر به، وهذا أحب الناس إليه، وابن عم أبيه من أخص الناس به، وهو مع ذلك زوج ابنته التي لا ولد له غيرها، وله منها ابنان ذكران، وكل من عمه وابن عمه اللذين هما أقرب الناس إليه، له من الفضل والسياسة والعقل وخلال الخير ما يستحق به سياسة العالم كله، فلم يحابهما وهما من أحب الناس إليه وأشدهم [غنى] (١) عنه، إذ كان غيرهما متقدما عليهما في الفضل، وإن كان بعيد النسب عنه، بل فوض الأمر إليه قاصدا إلى أمر الحق، واتباع ما أمر به، ولم يورث صلى الله عليه وسلم ورثته فلسا فما فوقه، وهم أحب الناس إليه، وأطوعهم له، وهذه أمور لمن تدبرها كافية مغنية.
قال الأعمش عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: ذكروا عند عبد الرحمن - يعني ابن مسعود رضي الله عنه - أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وإيمانهم، فقال عبد الله: إن أمر محمد كان بينا لمن رآه، والذي لا إله غيره، ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب، [ثم قرأ] (١): ﴿آلم * ذلك الكتاب لا ريب فيه﴾ (2) إلى قوله: (يؤمنون [بالغيب] (3)). قال الحاكم: فقد صح ما ذكرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته التي أتى بها، هي التي وضحت براهينها، واضطرت دلائلها إلى تصديقها، والقطع على أنها الحق الذي لا حق سواه، وأنها من الله تعالى الذي لا دين له في العالم غيره، والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق.
* * *