يسارع إلى كل من طمع على يديه بفرح، وأن يستجيب إلى كل ما دعى إليه، وإن أكثر من في هذا البلاء يستجيز عبادة من أخرجه منه إلى العز والحرمة، ومع هذا فقد كان بنو إسرائيل أهل عسكر مجتمع، يمكن منهم التواطؤ.
وأما عيسى عليه السلام فما اتبعه إلا نحو اثني عشر رجلا معروفين ونساء قليل، وعدد لا يبلغ المائة، وكانوا مع هذه القلة مشردين غير ظاهرين، ولا يقوم بمثل هذا ضرورة يقين العلم.
وأما محمد صلى الله عليه وسلم فلا يختلف أحد من أهل شرق الأرض وغربها، في أنه أتى إلى قوم لئام، ولا يقرون ملك، ولا يطيعون لأحد، ولا ينقادون لرئيس، ونشأ على هذا أجدادهم وأسلافهم، منذ ألوف من الأعوام، وقد سرى الفخر والنخوة، والكبر والظلم، والأنفة في طباعهم، وهم أعداد عظيمة، قد [ملكوا] (1) جزيرة العرب، وهي نحو مسيرة شهرين في شهرين، فدعاهم بلا مال ولا أتباع، بل قد خذله قومه إلى أن ينحطوا من ذلك العز إلى غرم الزكاة، ومن الحرية إلى جري الأحكام عليهم، ومن طول الأيدي بقتل من أحبوا، أو أخذ ماله إلى القصاص من النفس [والأعضاء] (1)، واللطمة من أجل من فيهم لأقل علج (2) دخل فيهم، وإلى إسقاط الأنفة والفخر، وإلى ضرب الظهور بالسياط أو بالنعال إن شربوا خمرا، أو إن قذفوا إنسانا، وإلى الرجم بالحجارة حتى يموتوا إن زنوا.
وانقاد أكثرهم طوعا، ما منهم أحد أخذ بغلبة إلا مكة فقط، فتبدلت به صلى الله عليه وسلم طبائعهم من الظلم إلى العدل، ومن الجهل إلى العلم، ومن العسف والقسوة إلى الرأفة والرحمة، وسيرة العدل العظيم الذي لا يبلغه أكابر الفلاسفة.
فقد رأى الناس كيف كانت سيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وكيف كانت طاعة العرب لهما، كل ذلك بلا رزق جار، ولا عطاء [دائر] (1)، ولا غلبة ملوكية، إلا بغلبة من الله تعالى على نفوسهم، وكسر لطبائعهم، كما قال تعالى: (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف