بينهم) (1)، ثم بقي صلى الله عليه وسلم كذلك بين أظهرهم بلا حرس ولا ديوان جند ولا بيت مال، معصوما محروسا.
وهكذا نقلت أعلامه ومعجزاته بخلاف معجزات سائر الأنبياء، فإنها لم تصح إلا ما نقله هو صلى الله عليه وسلم، لصحة الطريق إليه، وارتفاع دواعي الكذب والعصبية جملة عن أتباعه فيه، فلقد كان جمهورهم غريبا من غير قومه، ولا يمنيهم بدنيا، ولا وعدهم بملك، وهذا ما لا ينكره أحد من الناس.
وأيضا فإن ابتداء أمره صلى الله عليه وسلم أنه وقف على الصفا ونادى:
يا صباحاه.. يا صبحاه، فجاءوا يهرعون، فقالوا: ما دهمك؟ ما طرقك؟ قال:
ما تعرفونني؟ قالوا: محمد الأمين، قال: أرأيتم إن قلت لكم [إن خيلا تغير عليكم خلف هذا الوادي] (2)، وإن عسكرا قد غشيكم من الصبح، أكنتم تصدقوني؟
قالوا: اللهم نعم، ما جربنا عليك كذبا قط، قال: [فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد من الله، قولوا: لا إله إلا الله، واشهدوا أني رسول الله، واتبعوني يحببكم الله، فإنه تعالى ناصري] (2)، وقال لي: استخرجهم كما استخرجوك، وابعث جيشا أبعث خمسة أمثاله، وضمن لي أنه ينصرني بقوم منكم، وقال لي:
قاتل بمن أطاعك من عصاك، وضمن لي أن يغلب سلطاني سلطان كسرى وقيصر.
وقالت له قريش مرة: أتابعك من هؤلاء الموالي، كبلال وعمار وصهيب خير من قصي بن كلاب وعبد مناف وهاشم بن عبد شمس؟ فقال: نعم والله، لئن كانوا قليلا ليكثرن، ولئن كانوا وضعاء ليشرفن حتى يصيروا نجوما يهتدى بهم ويقتدى، فيقال: هذا قول فلان وذكر فلان، فلا تفاخروني بآبائكم الذين موتوا في الجاهلية، فما يذهب الجعل بمنخره خير من آبائكم الذين موتوا فيها، فاتبعوني أجعل لكم أنسابا، والذي نفسي بيده، لتقسمن كنوز كسرى وقيصر، فقال له عمه أبو طالب: أبق علي وعلى نفسك، وظن صلى الله عليه وسلم أنه خاذله، فقال: يا عم!