عليه صدرا من ﴿كهيعص﴾ (1)، فبكى النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكوا أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، ثم قال: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى عليه السلام، انطلقوا راشدين، لا والله لا أردهم عليكم ولا أنعمكم عينا.
فخرجنا من عنده وكان أبقى الرجلين فينا: عبد الله بن أبي ربيعة، فقال عمرو ابن العاص: والله لآتيه غدا بما أستأصل به خضراءهم، ولأخبرنه أنهم يزعمون أن إلهه الذي يعبد - عيسى ابن مريم - عبد، فقال له عبد الله بن أبي ربيعة:
لا تفعل، فإنهم وإن كانوا خالفونا، فإن لهم رحما ولهم حق، فقال: والله لأفعلن.
فلما كان الغد، دخل عليه فقال: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى قولا عظيما، فأرسل إليهم فاسألهم عنه، فبعث إليهم ولم ينزل بنا مثلها، فقال بعضنا لبعض: ماذا تقولون له في عيسى إن هو سألكم عنه؟ فقال: نقول والله الذي قاله فيه، والذي أمرنا به نبينا أن نقول فيه، فدخلوا عليه وعنده بطارقته، فقال:
ما تقولون في عيسى [ابن] (2) مريم؟ فقال له جعفر: نقول: هو عبد الله ورسوله، وكلمته وروحه ألقاها إلى مريم العذراء البتول.
فدلى النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ عويدا بين أصبعيه فقال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العويد (3)، فتناخرت (4) بطارقته فقال: وإن تناخرتم (4) والله، اذهبوا فأنتم سيوم - والسيوم الآمنون - من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم (ثلاثا)، ما أحب أن لي دبر، أو أني آذيت رجلا منكم - والدبر بلسانهم: الذهب - فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه ولا أطاع الناس في فأطيع الناس فيه؟ رددوا عليهما هداياهما ولا حاجة لي بها واخرجا من بلادي.