دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه، وقد لجئوا إلى بلادك، فبعثنا إليك فيهم عشائرهم وآباؤهم وأعمامهم وقومهم، لتردهم عليهم، فهم أعلى بهم عينا (1) وأعلم بما عابوه عليهم.
فقالت بطارقته: صدقوا أيها الملك، لو رددتهم عليهم كانوا هم أعلى بهم عينا (1)، وأعلم بما عابوه عليهم، فإنهم لم يدخلوا في دينك فتمنعهم بذلك، فغضب ثم قال لعمرو: والله لا أردهم إليهم حتى أدعوهم فأكلمهم وأنظر ما أمرهم، قوم لجئوا لبلادي، واختاروا جواري على جوار غيري، فإن كانوا كما تقولون رددتهم عليهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم، لم أخل ما بينهم وبينهم، ولم أنعمهم عينا.
فأرسل إليهم النجاشي فجمعهم، ولم يكن شئ أبغض إلى عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة من أن يسمع كلامهم، فلما جاءهم رسول النجاشي اجتمع القوم فقال: ماذا تقولون؟ قالوا: وماذا نقول؟ نقول: والله ما نعرف وما نحن عليه من أمر ديننا، وما جاءنا به نبينا كائن في ذلك ما كان.
فلما دخلوا عليه كان الذي يكلمه منهم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال له النجاشي: ما هذا الدين الذي أنتم عليه؟ فارقتم دين قومكم ولم تدخلوا في يهودية ولا نصرانية، فما هذا الدين؟
فقال جعفر: أيها الملك، كنا قوما على الشرك، نعبد الأوثان ونأكل الميتة، ونسئ الجوار، ونستحل المحارم بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها، ولا نحل شيئا ولا نحرمه، فبعث الله إلينا نبيا من أنفسنا، نعرف وفاءه وصدقه وأمانته، فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له، ونصل الرحم، ونحسن الجوار، ونصلي لله ونصوم له، ولا نعبد غيره.
قال: فقال: هل معك شئ مما جاء به؟ - وقد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله - فقال له جعفر: نعم فقال: هلم فاتل علي ما جاء به، فقرأ