نعم، فيه العام والخاص، والمطلق والمقيد والمجمل والمبين، والناسخ والمنسوخ، ولا تناقض في شئ من ذلك، ولكن الطاعنون في القرآن أخطأ ظنهم لجهلهم، وقد ذكر مطاعنهم والجواب عنها جماعة من علماء الأمة، كالإمام أحمد ابن حنبل في كتاب مفرد، وأبي عبد الله محمد بن [مسلم] (١) بن قتيبة في أول [كتاب] (١) (مشكل القرآن)، وغيرهما.
وذهب النظام وبعض القدرية وطائفة أخرى، إلى أن وجه الإعجاز هو المنع عن معارضته، والصرفة عند التحدي بمثله، وأن المنع والصرفة هو المعجزة دون ذات القرآن، وذلك أن الله تعالى [صرف] (٢) هممهم عن معارضته مع تحديهم أن يأتوا بسورة مثله بأن سلبوا العلوم التي كانوا بها يتمكنون من المعارضة في وقت مرامهم ذلك.
ورد هذا المذهب بإجماع الأمة قبل حدوث هذا القول، على أن القرآن هو المعجز، فلو قلنا أن المنع والصرفة هو المعجز، لخرج القرآن عن أن يكون معجزا، لأن فصاحته وبلاغته أمر خارق للعادة، إذ لم يوجد قط كلام على هذا الوجه، فلما لم يكن ذلك الكلام مألوفا معتادا منهم، دل ذلك على أن مجرد المنع والصرفة لم يكن معجزا، واختلف [في] (٢) من قال بالصرفة على قولين.
أحدهما: أنهم صرفوا عن القدرة على ولو تعرضوا له لعجزوا عنه.
الثاني: أنهم صرفوا عن التعرض له مع كونه في مقدورهم، ولو تعرضوا له لجاز أن يقدروا عليه.
وأنت إذا تأملت قوله تعالى: ﴿وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله﴾ (3) وجدت فيها إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بتقرير معجزه وهو القرآن، وتقرير الدليل أن محمدا لو لم يكن صادقا في دعوى النبوة لأمكنكم أن تعارضوا معجزه وهو القرآن، ولو بسورة مثله، لكن لا يمكنكم معارضته، فيلزم أنه ليس بكاذب، فهو إذا صادق.