فمدحهم الله بذلك في كتابه، فقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم عدة حواريين، منهم الزبير. وقال: لكل نبي حواري، وحواري الزبير، على أن حواري عيسى كان مبلغهم في طاعته أن قالوا: [هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء] (1)؟.
وكان لحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلوص الطاعة وصحة النية وحسن المؤازرة، ومجاهدة النفوس في نصر نبيهم، وتبجيلهم وتعظيمهم له، ومعرفتهم بجلالته ما تقدم ذكره، وسيأتي إن شاء الله، لأن الله تعالى امتحن قلوبهم للتقوى، فكانوا لا يحدون النظر إليه إعظاما له، ولا يرفعون أصواتهم عليه إجلالا له، ولا يتنخم نخامة إلا ابتدروها يتمسحون بها، ولا سقطت شعرة إلا تنافسوا فيها، حتى إن معاوية أوصى أن يدفن معه شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرب عبد الله بن الزبير محجمة من دمه، وكان حضر من [جفاة] الأعراب من لا يوقره استأذنوه في قتله، وقد ذكرت ذلك كله بطرقه.
وقد كان عيسى عليه السلام كثير السياحة، جوابا للقفار والبراري فقد كان لنبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك ما هو أعظم وأفخم، فإنه ساح في الأرض بأصحابه مجاهدا أعداء الله، فاستنقذ في عشر سنين ما لا يعد من حاضر وباد، وافتتح القبائل الكثيرة، فأين سياحة عيسى ليخلوه بعبادة ربه، من سياحة محمد المبعوث بالسيف المصلت على أعداء الله لإقامة دين الله؟ فكان لا يداري لغيره بالكلام، ويجاهد في الله ولا ينام إلا على دم، ولا يستقر إلا متجهزا لقتال الأعداء أو باعثا إليهم سرية في إقامة الدين وإعلاء الدعوة وإبلاغ الرسالة صلى الله عليه وسلم.
وقد كان عيسى زاهدا يتقنع من دنياه باليسير، ويرضيه منها القليل، فخرج من الدنيا كفافا لا له ولا عليه، وقد كان لنبينا من مقام الزهد ما لا فوقه، فإنه كانت له ثلاث عشرة زوجة سوى سراريه، فما رفعت مائدته قط وعليها طعام، ولا شبع من خبزين ثلاث ليال متتابعة، وكان يربط الحجر على بطنه.