وقال القاضي عياض: ومعجزات نبينا أظهر من معجزات الرسل بوجهين:
أحدهما: [كثرتها] (١)، وأنه لم يؤت نبي معجزة إلا وعند نبينا مثلها أو ما هو أبلغ منها، أما كونها كثيرة فهذا القرآن وكله معجز، وأقل ما يقع الإعجاز فيه عند بعض أئمة المحققين سورة ﴿إنا أعطيناك الكوثر﴾ (٢)، أو آية في قدرها، لقوله تعالى: ﴿فأتوا بسورة من مثله﴾ (3) فهو أقل ما تحداهم به، وإذا كان هذا ففي القرآن من الكلمات نحو من سبعة وسبعين ألف كلمة ونيف، عدد كلمات (إنا أعطيناك الكوثر) (2) عشر كلمات، فتجزأ القرآن على نسبة (إنا أعطيناك الكوثر) (2) أزيد من سبعة آلاف جزء، وكل واحد منها معجز في نفسه.
ثم إعجازه بوجهين: طريق بلاغته، وطريق نظمه، فصار في كل جزء من هذا العدد معجزتان، فتضاعف العدد من هذا الوجه، ثم فيه وجوه إعجاز أخر من الإخبار بعلوم الغيب، فقد يكون في السورة الواحدة من هذه التجزئة، الجزء عن أشياء من الغيب، كل جزء منها بنفسه معجز، فتضاعف العدد كرة أخرى.
ثم وجوه الإعجاز الأخرى توجب التضعيف، هذه في حق القرآن، ولا يكاد يأخذ العدد معجزاته، ولا يحوي الحصر ماهيته، ثم الأحاديث الواردة، والأخبار الصادرة عنه صلى الله عليه وسلم في هذه الأبواب، عما دل على أمره بتبليغ [نحو] (1) من هذا.
الوجه الثاني: في وضوح معجزاته صلى الله عليه وسلم، فإن معجزات الرسل كانت بقدر همم أهل زمانهم، وبحسب الفن الذي سما فيه قرنه، ثم بين ذلك بمعنى ما تقدم ذكره، من غلبة السحر في زمان موسى، والطب في أيام عيسى، والبلاغة في العرب الذين بعث الله فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* * *