يعلم الجاهل، ويعمل به العامل، وينتبه الساهي، ويتذكر اللاهي، بشير الثواب ونذير العقاب، وشفاء الصدور وجلاء الأمور، ومن فضائله أنه يقرأ دائما ويكتب، ويمل ولا يمل، يتجدد على الابتذال، ويزكو على الإنفاق.
والقرآن حجة الله على خلقه لما اشتمل عليه من حجج التوحيد والنبوات، وغير ذلك، وهو برهان لمحمد صلى الله عليه وسلم، على رسالته، إذ القرآن معجز، فهو برهان على صدق من جاء به، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فالقرآن من حيث هو حجة، حجة لله ولرسوله، يسمى برهانا، ومن حيث هو مرشد الخلق إلى مصالح معاشهم ومعادهم، كاشف عنهم العمى، قائد لهم إلى الهدى يسمى نورا.
والقرآن أعظم معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشرفها وأوضحها دلالة، لأن المعجزات تقع في الغالب مغايرة للوحي [المدعي] (1)، وهو الخارق المعجز، فدلالته في عينه، ولا يفتقر إلى دليل أجنبي عنه كسائر الخوارق مع الوحي، فهو أوضح دلالة لا تحاد الدليل والمدلول فيه.
واعلم أن المعجزات على قسمين.
أحدهما: ما اشتهر نقله وانقرض عصره بموت النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني: ما تواردت الأخبار بصحته وحصوله، واستفاضت بثبوته ووجوده، ووقع لسامعها العلم بذلك ضرورة، ومن شرطه أن يكون الناقلون له خلقا [كثيرا] وجما غفيرا، وأن يكونوا عالمين بما نقلوه علما ضروريا، وأن يستوي في النقل أولهم وآخرهم ووسطهم في كثرة العدد، حتى يستحيل عليهم التواطؤ على الكذب، وهذه صفة نقل القرآن، ونقل وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الأمة لم تزل تنقل القرآن خلفا عن سلف، والسلف عن سلفه، إلى أن يتصل ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعلوم وجوده بالضرورة، وصدقه بالأدلة والمعجزات.
والرسول صلى الله عليه وسلم أخذه عن جبريل عليه السلام، عن رب العزة جلت قدرته،