السجن أحب إلي مما يدعونني إليه] (1)، وكذلك ابتلي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالسجن في الشعب وضيق عليه فيه أشد الضيق مدة ثلاث سنين، حتى صنع الله بكيد أضعف خلقه وتسليطها على صحيفة مكر قريش التي عقدوها في قطيعته صلى الله عليه وسلم، فكان لنبينا من ذلك ما لم يكن ليوسف عليه السلام، لأن يوسف كانت محنته بالسجن من أجل أن امرأة العزيز دعته إلى نفسها فاستعصم، وكانت محنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإلجاء إلى الشعب قطيعة من ذوي رحمه لأنه دعاهم إلى توحيد الله تعالى، وترك عبادتهم الأصنام، وشتان بين هذين المقامين من البون.
وعلم الله يوسف من تأويل الأحاديث - يعني عبارة الرؤيا - ولم يقص تعالى عنه سوى تعبير ثلاث منامات، ونقل عن نبينا من ذلك شئ كثير جدا، مما رآه ومما عبره لغيره فجاء كفلق الصبح.
ومكن تعالى ليوسف في الأرض - يعني أرض مصر خاصة - ونبينا مكن الله له ولأمته في الأرض كلها، وملك يوسف أهل مصر في زمن الغلاء، وقد ملك نبينا [صلى الله عليه وسلم] يوم الفتح جلة العرب وصناديد الحجاز وسماهم الطلقاء، فأحرز صلى الله عليه وسلم خصائص يوسف عليه السلام وزاد عليها، ولهذا ترقى عليه ليلة الإسراء ما شاء الله.
* * *