وقد تقدم في بعض طرق الإسراء، أنه صلى الله عليه وسلم لما بلغ سدرة المنتهى قيل له: اسأل، فقال: إنك اتخذت إبراهيم خليلا، إلى أن قال له ربه عز وجل: قد اتخذتك حبيبا، ولذلك كسر الأصنام، فإن الذي أعطاه الله تعالى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم من ذلك، أفضل مما أعطاه إبراهيم عليه السلام، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم رمى هبل من [أعلى] الكعبة، وأشار يوم فتح مكة إلى ثلاثمائة وستين صنما فوقعت وكسرت بأسرها بمحضر أهل نصرها، وذلك بإشارته صلى الله عليه وسلم بقضيب ليس مما يكسر مثله عادة، وكان كسر إبراهيم عليه السلام للأصنام بمعول يكسر مثله عادة.
وكان كسره عليه السلام لتلك الأصنام التي كسرها بمعوله عند غيبة قومه عن أصنامهم، ونبينا صلى الله عليه وسلم إنما كسرها وقريش الحماة الأبطال، تراها وهي تتساقط على وجوهها، وقد كانوا أمس يرونها آلهة تجلب لهم النفع وترد عنهم الضر، فما انتطح في كسرها عنزان، ولا نطق بنصرها ذو لسان.
قال عبد الله بن عمر العمري، عن نافع [عن ابن] عمر رضي الله [عنهما] قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما قد ألزمها الشيطان بالرصاص والنحاس، فكان كلما دنا منها مخصرته، تهوى من غير أن يمسها ويقول: [جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا] (1) فتساقط لوجوهها، ثم أمر بهن فأخرجن إلى المسبل.
وقد حجب الله تعالى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم عمن أرادوا قتله بخمسة حجب: ثلاثة منها في قوله تعالى: [وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون] (2)، وواحد في قوله تعالى: [وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا] (3)، والخامس في قوله تعالى:
[إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون] (4)، ويتبين لك معنى كون هذه الحجب إذا نظرت في الهجرة النبوية، ومكر الذين كفروا به صلى الله عليه وسلم وخروجه من منزله وهم قيام يريدونه فلم يروه.