وقد خص الله المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن جعل الرعب يسير بين يديه مسيرة شهر، وأين غدو الريح بسليمان شهرا من تقدم الرعب بين يدي المصطفى شهرا، وقد سخر الله تعالى لسليمان الجن، لكنها كانت تعتاص عليه حتى يصفدها ويعذبها بالأعمال الشاقة وغيرها، ونبينا صلى الله عليه وسلم أتته الجن راغبة فيه، طائعة له، معظمة لشأنه، مصدقة بما جاءه من ربه، مؤمنة به متبعة له، ضارعة خاضعة، مستمدة مستمنحة منه زادها ومأكلها، فجعل لها كل روثة تصيبها تعود علفا لدوابها، وكل عظم يعود طعاما لها.
وسخرت له صلى الله عليه وسلم عظماء الجن وأشرافها التسعة، الذين قال تعالى فيهم: [وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن] (1)، وقال: [قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا] (2)، وأقبلت إليه صلى الله عليه وسلم ليلة الجن الألوف منها مبايعين له على الصوم والصلاة والنصح للمسلمين، واعتذروا بأنهم قالوا على الله شططا.
فشملت بعثته ورسالته الإنس والجن، وهم لا يحصون عددا، وأين ما أعطيه سليمان من هذا، وما قدر ملكه في جنب هذا الأمر العظيم، وأين تصفيد سليمان الجن من أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم العفريت من الجن لما تفلت عليه، وأين المقام السليماني من المقام المحمدي، فإن سليمان كانت تخدمه الجن، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم كانت الملائكة المقربون أعوانه، يقاتلون أعداءه بين يديه، ويدفعون عنه من يريده بسوء، وقد قبض أبو أسيد على الغول لما خالفته إلى سيره بسوق نمرة، حتى علمته آية الكرسي، وقبض أيضا أبو أيوب الأنصاري على الغول، وأسر معاذ بن جبل رضي الله عنه جنيا من جن نصيبين، وصارع عمار بن ياسر رضي الله عنه الجن لما التقيا على الماء، ومع هذا فقد ضرب جبريل عليه السلام بجناحه لما توفي النجاشي بالحبشة الجبال، وحتى قام المصطفى صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه فصلى عليه وهو صلى الله عليه وسلم ينظر إليه من المدينة.
وكذلك لما توفي معاوية بن معاوية، ضرب جبريل بجناحه، ورفع له صلى الله عليه وسلم