قوله: فرج سقف بيتي، ولا أبلغ في المناجاة من ذلك، فقد حمل عنه صلى الله عليه وسلم ألم الانتظار كما حمل عنه ألم الاعتذار في قول موسى عليه السلام: [وعجلت إليك رب لترضى] (1). ولا شك أن في منحه هاتين الكرامتين مزيد اختصاص وأجل كرامة.
وقد أتى موسى إلى فرعون بالعذاب الأليم، من الجراد والقمل والضفادع والدم، فقد أرسل الله سبحانه على قريش بتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الدخان، فكان آية بينة، ونعمة بالغة، قال تعالى: [فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين * يغشى الناس هذا عذاب أليم] (2). ودعا رسول الله على قريش فابتلوا بالسنين، وسيأتي ذلك إن شاء الله بطرقه.
وقد أنزل الله تعالى على موسى وقومه المن والسلوى، وظلل عليهم الغمام، وقد أتى الله نبينا صلى الله عليه وسلم أعظم من ذلك، فإن المن والسلوى رزق رزقهم الله كفاهم به السعي والاكتساب له، وقد أحل الله لنبينا وأمته الغنائم التي [كانت] (3) محرمة على من قبلهم، وجعلها منة باقية لهم إلى يوم القيامة، وأي قدر للمن والسلوى في جنب غنائم كسرى وقيصر، والجلالقة والقوط والقبط وغيرهم ممن غنم المسلمون أموالهم وديارهم، وسبوا نساءهم وذراريهم، ومع هذا كله فإن الله تعالى أعطى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من جنس ما أعطى موسى وقومه من ذلك، فقذف لهم البحر لما كانوا مع أبي عبيدة في سرية - وقد أصابتهم المجاعة - حوتا يقال له: العنبر، أكلوا منه، وائتدموه نصف شهر بلا سعي ولا طلب.
وكان صلى الله عليه وسلم يشبع النفر الكثير من الطعام القليل واللبن اليسير، حتى يصيرون شباعا رواءا. وكان موسى عليه السلام تنقلب له عصاه ثعبانا تتلقف ما صنعت السحرة، حتى استغاث فرعون بموسى وأخيه رهبة منه وفرقا. وقد أعطي نبينا صلى الله عليه وسلم أخت هذه الآية بعينها، [وهي] (4) أن جعل أبا جهل فرعون هذه الأمة احتمل حجرا، وأقبل يريد أن يرضخ به النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد عند الكعبة، وقد عدت قريش ينتظرون ما يصنع، فلما سجد صلى الله عليه وسلم، احتمل أبو جهل الحجر وأقبل نحوه،