فهذه السورة تكون متداولة في أفواههم كالشاهد عليهم، الموقف لهم على صحة ما قيل لهم، فلما نصت التوراة على أن هذه السورة لا تنسي من أفواه أولادهم دل على أن غيرها من السور ليس [كذلك]. وأنه يجوز أن ينسي من أفواههم.
وهذا يدل على أن موسى عليه السلام لم يعط بني إسرائيل من التوراة إلا هذه السورة، وأما التوراة نفسها فدفعها إلى أولاد هارون، وجعلها فيهم، وصانها عن سواهم.
وهؤلاء الأئمة الهارونيون الذين كانوا يعرفون التوراة ويحفظون أكثرها قتلهم بخت نصر يوم فتح بيت المقدس، وحرق التوراة والمزامير كما حرقها نردوش اليوناني لما استولى على القدس.
ولم يكن حفظ التوراة فرضا عليهم ولا سنة بل كان كل أحد من الهارونيين يحفظ فصلا من التوراة، فلما رأى عزرا أن القوم قد احترق هيكلهم، وزالت دولتهم، ورفع كتابهم، جمع من مخطوطاته ومن الفصول التي تحفظها الكهنة ما اجتمعت منه هذه التوراة التي بأيديهم، وذلك بعد حين من السنين، ولذلك بالغوا في تعظيم عزرا هذا غاية المبالغة، وزعموا أن النور الآن يظهر على قبره - وهو على بطائح العراق - لأنه جمع لهم ما يحفظ دينهم، وغلا بعضهم فيه حتى قالوا: هو ابن الله، ولذلك نسب الله تعالى ذلك إلى اليهود بقوله: [وقالت اليهود عزير ابن الله] (1) نسبة إلى جنسهم لا إلى كل فرد منهم.
فهذه التوراة التي بأيديهم في الحقيقة كتاب عزير، وفيها من التوراة التي أنزلها الله على موسى، وأول دليل على أنها ليست التوراة التي أنزلها الله أنه قال في آخرها:
وتوفي هناك موسى عبد الله في أرض موآب بقول الرب، ودفنه في الوادي في عربات موآب (2)، ولم يعرف إنسان موضع قبره إلى اليوم، وكان قد أتى على موسى يوم