قوله تعالى: [من قبل أن تنزل التوراة) متعلق بقوله: [كان حلا لبني إسرائيل]، أي كان حلالا لهم قبل نزول التوراة وهم يعلمون ذلك، ثم قال تعالى:
[قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين]، هل تجدون فيها أن إسرائيل حرم على نفسه ما حرمته التوراة؟ أم تجدون فيها تحريم ما خصه بالتحريم وهو لحوم الإبل وألبانها خاصة، وإذا كان إنما حرم هذا وحده وكان ما سواه حلالا له ولبنيه، وقد حرمت التوراة كثيرا من المحلل ظهر كذبكم وافتراؤكم في إنكار نسخ الشرائع والحجر على الله تعالى نسخها، ثم يقال لهم: أتعرفون أنه كان قبل التوراة شريعة أم لا؟
وهم لا ينكرون أن قبل التوراة شريعة، فيقال لهم: فهل رفعت التوراة شيئا من أحكام تلك الشرائع المتقدمة؟ فقد جاهروا بالكذب.
وإن قالوا: رفعت بعض الشرائع المتقدمة فقد أقروا بالنسخ، ويقال لهم: أليس الله تعالى أمر إبراهيم بذبح ولده ثم نهاه عنه؟ وهذا نسخ، أليس أن الأرض لما قسمت بين الأسباط كان غربي الشريعة لتسعة أسباط ونصف سبط، وشرقيه لسبطين ونصف سبط؟ فذلك من قبل الجميع وقسم الجميع، وهذا نسخ، أو ما تزوج إبراهيم بأخته لأبيه فمنع التوراة منه، وتزوج عمران بعمته، وجمع يعقوب بين الأختين وقد منع التوراة منه، وهذا نسخ.
ويقال لهم أيضا: هل أنتم اليوم على ما كان عليه موسى عليه السلام؟ فإن قالوا: نعم، قيل لهم: أليس في التوراة أن من مس عظم ميت أو وطئ قبرا أو حضر ميتا عند موته فإنه يصير من النجاسة بحال لا مخرج له منها إلا برماد البقرة التي كان الإمام الهاروني يحرقها؟ ولا يمكنهم إنكار ذلك؟ فيقال لهم: فهل أنتم اليوم على ذلك؟.
فإن قالوا: لا نقدر عليه، قيل لهم: فلم جعلتم أن من مس العظم والقبر والميت طاهرا يصلح للصلاة، والذي في كتابكم خلافه؟ فإن قالوا: لأنا عدمنا أسباب الطهارة - وهي رماد البقرة -، وعدمنا الإمام المستغفر، قيل لهم: فهل أغناكم عدمه عن فعله أو لم يغنكم؟.