الحجاج بن يوسف فذكر القبر، فما زال يقول: إنه بيت الوحدة، وبيت الغربة، حتى بكى وأبكى من حوله، ثم قال: سمعت أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان يقول: سمعت مروان يقول في خطبته: خطبنا عثمان بن عفان فقال في خطبته: " ما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر أو ذكره إلا بكى ".
وهذا الحديث له شاهد في سنن أبي داود وغيره، وساق من طريق أحمد بن عبد الجبار: ثنا يسار عن جعفر عن مالك بن دينار قال: دخلت يوما على الحجاج فقال لي: يا أيا يحيى ألا أحدثك بحديث حسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: بلى! فقال: حدثني أبو بردة عن أبي موسى. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كانت له إلى الله حاجة فليدع بها في دبر صلاة مفروضة ". وهذا الحديث له شاهد عن فضالة بن عبيد وغيره في السنن والمسانيد والله أعلم.
قال الشافعي: سمعت من يذكر أن المغيرة بن شعبة (1) دخل على امرأته وهي تتخلل - أي تخلل أسنانها لتخرج ما بينها من أذى - وكان ذلك في أول النهار، فقال: والله لئن كنت باكرت الغداء إنك لرعينة دنية، وإن كان الذي تخللين منه شئ بقي في فيك من البارحة إنك لقذرة، فطلقها فقالت: والله ما كان شئ مما ذكرت، ولكنني باكرت ما تباكره الحرة من السواك، فبقيت شظية في فمي منه فحاولتها لاخرجها. فقال المغيرة ليوسف أبي الحجاج: تزوجها فإنها لخليفة بأن تأتي برجل يسود، فتزوجها يوسف أبو الحجاج. قال الشافعي: فأخبرت أن أبا الحجاج لما بنى بها واقعها فنام فقيل له في النوم: ما أسرع ما ألقحت بالمبير.
قال ابن خلكان: واسم أمه الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي، وكان زوجها الحارث بن كلدة الثقفي طبيب العرب، وذكر عنه هذه الحكاية في السواك. وذكر صاحب العقد (2) ان الحجاج كان هو وأبوه يعلمان الغلمان بالطائف، ثم قدم دمشق فكان عند روح بن زنباع وزير عبد الملك، فشكا عبد الملك إلى روح أن الجيش لا ينزلون لنزوله ولا يرحلون لرحيله، فقال روح:
عندي رجل توليه ذلك، فولى عبد الملك الحجاج أمر الجيش، فكان لا يتأخر أحد في النزول والرحيل، حتى اجتاز إلى فسطاط روح بن زنباع وهم يأكلون فضربهم وطوف بهم وأحرق الفسطاط، فشكا روح ذلك إلى عبد الملك، فقال للحجاج: لم صنعت هذا؟ فقال: لم أفعله إنما فعله أنت، فإن يدي يدك، وسوطي سوطك، وما ضرك إذا أعطيت روحا فسطاطين بدل فسطاطه، وبدل الغلام غلامين، ولا تكسرني في الذي وليتني؟ ففعل ذلك وتقدم الحجاج عنده. قال: وبنى واسط في سنة أربع وثمانين، وفرغ منها في سنة ست وثمانين، وقيل قبل ذلك قال: وفي أيامه نقطت