وقال الواقدي: كان الوليد جبارا ذا سطوة شديدة لا يتوقف إذا غضب، لجوجا كثير الاكل والجماع مطلاقا، يقال إنه تزوج ثلاثا وستين امرأة غير الإماء. قلت: يراد بهذا الوليد بن يزيد الفاسق لا الوليد بن عبد الملك باني الجامع والله أعلم.
قلت: بنى الوليد الجامع على الوجه الذي ذكرنا فلم يكن له في الدنيا نظير، وبنى صخرة بيت المقدس عقد عليها القبة (1)، وبنى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ووسعه حتى دخلت الحجرة التي فيها القبر فيه (2)، وله آثار حسان كثيرة جدا، ثم كانت وفاته في يوم السبت للنصف من جمادى الآخرة من هذه السنة، قال ابن جرير: هذا قول جميع أهل السير، وقال عمر بن علي الفلاس وجماعة: كانت وفاته يوم السبت للنصف من ربيع الأول من هذه السنة، عن ست وقيل ثلاث وقيل تسع وقيل أربع وأربعين سنة، وكانت وفاته بدير مران، فحمل على أعناق الرجال حتى دفن بمقابر باب الصغير، وقيل بمقابر باب الفراديس، حكاه ابن عساكر. وكان الذي صلى عليه عمر بن عبد العزيز لان أخاه سليمان كان بالقدس الشريف، وقيل صلى عليه ابنه عبد العزيز. وقيل بل صلى عليه أخوه سليمان، والصحيح عمر بن عبد العزيز والله أعلم. وهو الذي أنزله إلى قبره وقال حين أنزله: لننزلنه غير موسد ولا ممهد، قد خلفت الأسلاب وفارقت الأحباب، وسكنت التراب، وواجهت الحساب، فقيرا إلى ما قدمت، غنيا عما أخرت. وجاء من غير وجه عن عمر أنه أخبره أنه لما وضعه - يعني الوليد - في لحده ارتكض في أكفانه، وجمعت رجلاه إلى عنقه. وكانت خلافته تسع سنين وثمانية أشهر على المشهور. والله أعلم.
قال المدائني: وكان له من الولد تسعة عشر (3) ولدا ذكرا، وهم عبد العزيز، ومحمد، والعباس، وإبراهيم، وتمام وخالد وعبد الرحمن ومبشر ومسرور وأبو عبيدة وصدقة ومنصور ومروان وعنبسة وعمر وروح وبشر ويزيد ويحيى. فأم عبد العزيز ومحمد أم البنين بنت عمه عبد العزيز بن مروان، وأم أبي عبيدة فزارية، وسائرهم من أمهات أولاد شتى. قال المدائني: وقد رثاه جرير فقال: - يا عين جودي بدمع هاجه الذكر * فما لدمعك بعد اليوم مدخر