البداية والنهاية - ابن كثير - ج ٩ - الصفحة ١٠٦
أجتنيها (1). وقد استعمله أبو بكر ثم عمر على عمالة البحرين وشكراه في ذلك، وقد انتقل بعد النبي (صلى الله عليه وسلم) فسكن البصرة، وكان له بها أربع دور، وقد ناله أذى من جهة الحجاج، وذلك في فتنة ابن الأشعث، توهم الحجاج منه أنه له مداخلة في الامر، وأنه أفتى فيه، فختمه الحجاج في عنقه، هذا عنق الحجاج، وقد شكاه أنس كما قدمنا إلى عبد الملك، فكتب إلى الحجاج يعنفه، ففزع الحجاج من ذلك وصالح أنسا. وقد وفد أنس على الوليد بن عبد الملك في أيام ولايته، قيل في سنة ثنتين وتسعين، وهو يبني جامع دمشق، قال مكحول: رأيت أنسا يمشي في مسجد دمشق فقمت إليه فسألته عن الوضوء من الجنازة فقال: لا وضوء. وقال الأوزاعي: حدثني إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر قال: قدم أنس على الوليد فقال له الوليد: ماذا سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يذكر به الساعة؟ فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: " أنتم والساعة كهاتين ". ورواه عبد الرزاق بن عمر عن إسماعيل قال: قدم أنس على الوليد في سنة ثنتين وتسعين فذكره. وقال الزهري: دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت: ما يبكيك؟ قال: لا أعرف مما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه إلا هذه الصلاة، وقد صنعتم فيها ما صنعتم. وفي رواية وهذه الصلاة قد ضيعت - يعني ما كان يفعله خلفاء بني أمية من تأخير الصلاة إلى آخر وقتها الموسع - كانوا يواظبون على التأخير إلا عمر بن عبد العزيز أيام خلافته كما سيأتي، وقال عبد بن حميد، عن عبد الرزاق، عن جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس. قال: جاءت بي أمي إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنا غلام فقالت: يا رسول الله خويدمك أنيس فادع الله له. فقال، " اللهم أكثر ماله وولده وأدخله الجنة ". قال: فقد رأيت اثنتين وأنا أرجو الثالثة، وفي رواية قال أنس: فوالله إن مالي لكثير حتى نخلي وكرمي ليثمر في السنة مرتين، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة، وفي رواية وإن ولدي لصلبي مائة وستة. ولهذا الحديث طرق كثيرة وألفاظ منتشرة جدا، وفي رواية قال أنس:
وأخبرتني بنتي آمنة أنه دفن لصلبي إلى حين مقدم الحجاج عشرون ومائة. وقد تقصى ذلك بطرقه وأسانيده وأورد ألفاظه الحافظ ابن عساكر في ترجمة أنس، وقد أوردنا طرفا من ذلك في كتاب دلائل النبوة في أواخر السيرة ولله الحمد. وقال ثابت لانس: هل مست يدك كف رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟
قال: نعم! قال فأعطنيها أقبلها، وقال محمد بن سعد عن مسلم بن إبراهيم عن المثنى بن سعيد الذراع (2) قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ما من ليلة إلا وأنا أرى فيها حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم يبكي. وقال محمد بن سعد عن أبي نعيم (3) عن يونس بن أبي إسحاق عن المنهال بن عمرو

(١) قال في النهاية: أي كناه أبا حمزة. وقال الأزهري: البقلة التي جناها أنس كان في طعمها لذع فسميت حمزة، والحمزة التي في طعمها حموضة. وفي القاموس: الحمزة الأسد وبقلة.
(2) في ابن سعد 7 / 22: الذارع.
(3) في ابن سعد 1 / 482: الفضل بن دكين، والمعروف بأبي نعيم الملائي وهو من كبار شيوخ البخاري.
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»
الفهرست