البداية والنهاية - ابن كثير - ج ٢ - الصفحة ٨٢
بالعبودية وأن الله ربه فنزه جناب الله عن قول الظالمين في زعمهم أنه ابن الله بل هو عبده ورسوله وابن أمته ثم برأ أمه مما نسبها إليه الجاهلون وقذفوها به ورموها بسببه بقوله: (آتاني الكتاب وجعلني نبيا) فإن الله لا يعطي النبوة من هو كما زعموا لعنهم الله وقبحهم كما قال تعالى:
(وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما) [النساء: 156] وذلك أن طائفة من اليهود في ذلك الزمان قالوا إنها حملت به من زنا في زمن الحيض لعنهم الله فبرأها الله من ذلك وأخبر عنها أنها صديقة واتخذ ولدها نبيا مرسلا أحد أولي العزم الخمسة الكبار ولهذا قال: (وجعلني مباركا أينما كنت) وذلك أنه حيث كان دعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له ونزه جنابه عن النقص والعيب من اتخاذ الولد والصاحبة تعالى وتقدس (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) وهذه وظيفة العبيد في القيام بحق العزيز الحميد بالصلاة والاحسان إلى الخليقة بالزكاة وهي تشتمل على طهارة النفوس من الأخلاق الرذيلة وتطهير الأموال الجزيلة بالعطية للمحاويج على اختلاف الأصناف وقرى الأضياف والنفقات على الزوجات والأرقاء والقرابات وسائر وجوه الطاعات وأنواع القربات.
ثم قال: (وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا) أي وجعلني برا بوالدتي وذلك أنه تأكد حقها عليه لتمحض جهتها إذ لا والد له سواها فسبحان من خلق الخليقة وبرأها وأعطى كل نفس هداها.
(ولم يجعلني جبارا شقيا) أي لست بفظ ولا غليظ ولا يصدر مني قول ولا فعل ينافي أمر الله وطاعته. (والسلام علي يوم ولدت يوم أموت ويوم أبعث حيا). وهذه الأماكن الثلاثة (1) التي تقدم الكلام عليها في قصة يحيى بن زكريا عليهما السلام. ثم لما ذكر تعالى قصته على الجلية وبين أمره ووضحه وشرحه (2). قال: (ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون. ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) [مريم: 34 - 35] كما قال تعالى بعد ذكر قصته وما كان من أمره في آل عمران: (ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم. إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون. الحق من ربك فلا تكن من الممترين. فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين. إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم. فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين)

(1) يوم ولدت: يعني في الدنيا، وقيل من همز الشيطان.
ويوم أموت: يعني في القبر; ويوم أبعث حيا: يعني في الآخرة.
(2) في الآيات دلالات عديدة أبرزها; - أن عيسى تكلم في طفولته ثم عاد إلى حالة الأطفال فكان نطقه اظهار براءة أمه.
- أن عيسى تكلم في المهد خلافا لليهود والنصارى.
- أن الصلاة والزكاة وبر الوالدين كان واجبا على الأمم السالفة، والقرون الخالية الماضية.
- الإشارة بمنزلة الكلام وتفهم ما يفهم القول. قال المهلب: وقد تكون الإشارة في كثير من أبواب الفقه أقوى من الكلام.
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 جماعة من أنبياء بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام 3
2 قصة حزقيل 3
3 قصة اليسع عليه السلام 5
4 قصة شموئيل وفيها بدأ أمر داود عليهما السلام 6
5 قصة داود وما كان في أيامه ثم فضائله ودلائل نبوته واعلامه 12
6 كمية حياته وكيفية وفاته عليه السلام 20
7 قصة سليمان بن داود عليهما السلام 22
8 وفاته ومدة ملكه وحياته 37
9 جماعة من أنبياء بني إسرائيل بعد داود وسليمان وقبل زكريا عليهم السلام 39
10 ومنهم أرميا بن حلقيا من سبط لاوي ابن يعقوب 40
11 خراب بيت المقدس 41
12 شئ من خبر دانيال عليه السلام 48
13 عمارة بيت المقدس بعد خرابها واجتماع بني إسرائيل بعد تفرقهم في بقاع الأرض 50
14 وهذه قصة العزيز 51
15 فصل 54
16 قصة زكريا ويحيى عليهما السلام 55
17 بيان سبب قتل يحيى عليه السلام 64
18 قصة عيسى بن مريم عليه من الله أفضل الصلاة والسلام 66
19 ميلاد العبد الرسول عيسى بن مريم البتول 75
20 باب بيان أن الله تعالى منزه عن الولد 84
21 منشأ عيسى بن مريم عليهما السلام وبيان بدء الوحي إليه من الله تعالى 89
22 بيان نزول الكتب الأربعة ومواقيتها 92
23 بيان شجرة طوبى ما هي 92
24 خبر المائدة 102
25 فصل 103
26 رفع عيسى عليه السلام إلى السماء 108
27 صفة عيسى عليه السلام وشمائله وفضائله 114
28 فصل 119
29 بيان بناء بيت لحم والقمامة 120
30 كتاب أخبار الماضين 121
31 خبر ذي القرنين 122
32 بيان طلب ذي القرنين عين الحياة 127
33 ذكر أمتي يأجوج ومأجوج 129
34 قصة أصحاب الكهف 133
35 قصة الرجلين المؤمن والكافر 139
36 قصة أصحاب الجنة 142
37 قصة أصحاب إيلة الذين اعتدوا في سبتهم 144
38 قصة لقمان 146
39 قصة أصحاب الأخدود 154
40 بيان الأذن في الرواية عن أخبار بني إسرائيل 157
41 قصة جريح أحد عباد بني إسرائيل 160
42 قصة برصيصا 162
43 قصة الثلاثة الذين آووا إلى الغار فانطبق عليهم 163
44 خبر الثلاثة الأعمى والأبرص والأقرع 164
45 حديث الذي استلف من صاحبه ألف دينار 165
46 قصة أخرى شبيهة بهذه القصة في الصدق والأمانة 166
47 قصة أخرى 167
48 حديث آخر 167
49 قصة الملكين التائبين 170
50 فصل 176
51 تحريف أهل الكتاب وتبديلهم أديانهم 176
52 ليس للجنب لمس التوراة 178
53 كتاب الجامع لأخبار الأنبياء المتقدمين 181
54 ذكر أخبار العرب 187
55 قصة سبأ 191
56 فصل 196
57 قصة ربيعة بن نصر بن أبي حارثة بن عمرو بن عامر 197
58 قصة تبع أبي كرب من أهل المدينة 199
59 وثوب لخنيعة ذي شناتر على ملك اليمن 205
60 خروج الملك باليمن من حمير إلى الحبشة والسودان 207
61 خروج أبرهة الأشرم على ارياط فاختلافهما 210
62 سبب قصد أبرهة بالفيل مكة ليخرب الكعبة 211
63 خروج الملك عن الحبشة ورجوعه إلى سيف بن ذي يزن 221
64 ما آل إليه أمر الفرس باليمن 225
65 قصة الساطرون صاحب الحضر 228
66 خبر ملوك الطوائف 230
67 ذكر بني إسماعيل وما كان من أمور الجاهلية إلى زمان البعثة 231
68 قصة خزاعة وعمرو بن لحي وعبادة العرب للأصنام 235
69 باب جهل العرب 240
70 خبر عدنان جد عرب الحجاز 245
71 أصول أنساب عرب الحجاز 245
72 أصول أنساب عرب الحجاز إلى عدنان 250
73 قريش نسبا واشتقاقا وفضلا وهم بنو النضر بن كنانة 252
74 خبر قصي بن كلاب وارتجاعه ولاية البيت وانتزاعه ذلك من خزاعة 261
75 فصل 266
76 ذكر من الأحداث في الجاهلية 268
77 ذكر جماعة مشهورين في الجاهلية 268
78 حاتم الطائي أحد أجود الجاهلية 270
79 شئ من أخبار عبد الله بن جدعان 276
80 امرئ القيس بن حجر الكندي صاحب إحدى المعلقات 277
81 اخبار أمية بن أبي الصلت الثقفي 280
82 خبر بحيرا الراهب 289
83 ذكر قس بن ساعدة الأيادي 289
84 زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه 296
85 شئ من الحوادث في زمن الفترة 302
86 كعب بن لؤي 302
87 تجديد حفر زمزم 303
88 نذر عبد المطلب ذبح ولده 306
89 تزويج عبد المطلب ابنة عبد الله آمنة بنت وهب الزهرية 307
90 كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبه الشريف وطيب أصله المنيف 309
91 باب مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم 319
92 صفة مولده الشريف عليه الصلاة والسلام 322
93 فصل 326
94 ذكر ارتجاس إيوان كسرى 327
95 حواضنه ومراضعه عليه الصلاة والسلام 332
96 رضاعه عليه الصلاة والسلام 333
97 فصل 340
98 فصل 343
99 فصل 345
100 قصة بحيرا 349
101 فصل 349
102 ذكر شهوده عليه الصلاة والسلام 353
103 فصل 354
104 تزويجه خديجة بنت خويلد عليه الصلاة والسلام 358
105 فصل 362
106 فصل 364
107 فصل 373
108 مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم 374
109 فصل 377
110 ذكر أخبار غريبة في ذلك 386
111 قصة عمرو بن مرة الجهني 389
112 قصة سيف بن ذي يزن وبشارته بالنبي 401
113 باب هواتف الجان 405