الحمد والمنة. وقد ورد الحديث الصحيح الدال على أنه قد كان لها أخ اسمه هارون وليس في ذكر قصة ولادتها وتحرير أمها لها ما يدل على أنها ليس لها أخ سواها والله أعلم. قال الإمام أحمد:
حدثنا عبد الله بن إدريس سمعت أبي يذكره عن سماك عن علقمة بن وائل عن المغيرة بن شعبة قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران فقالوا أرأيت ما تقرأون: (يا أخت هارون) وموسى قبل عيسى بكذا وكذا قال فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم " (1) وكذا رواه مسلم والنسائي والترمذي من حديث عبد الله بن إدريس وقال الترمذي حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديثه وفي رواية: " ألا أخبرتهم أنهم كانوا يتسمون بأسماء صالحيهم وأنبيائهم " وذكر قتادة وغيره أنهم كانوا يكثرون من التسمية بهارون حتى قيل إنه حضر بعض جنائزهم بشر كثير منهم ممن يسمى بهارون أربعون ألفا فالله أعلم.
والمقصود أنهم قالوا: (يا أخت هارون) ودل الحديث على أنها قد كان لها أخ نسبي اسمه هارون، وكان مشهورا بالدين والصلاح والخير ولهذا قالوا: (ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا) أي لست من بيت هذا شيمتهم ولا سجيتهم لا أخوك ولا أمك ولا أبوك فاتهموها بالفاحشة العظمى ورموها بالداهية الدهياء، فذكر ابن جرير (2) في تاريخه أنهم اتهموا بها زكريا وأرادوا قتله ففر منهم فلحقوه وقد انشقت له الشجرة فدخلها وأمسك إبليس بطرف ردائه فنشروه فيها كما قدمنا، ومن المنافقين من اتهمها بابن خالها (3) يوسف بن يعقوب النجار فلما ضاق الحال وانحصر المجال وامتنع المقال عظم التوكل على ذي الجلال ولم يبق إلا الاخلاص والاتكال (فأشارت إليه) أي خاطبوه وكلموه، فإن جوابكم عليه وما تبغون من الكلام لديه. فعندها (قالوا) من كان منهم جبارا شقيا (كيف نكلم من كان في المهد صبيا) أي كيف تحيلينا في الجواب على صبي صغير لا يعقل الخطاب، وهو مع ذلك رضيع في مهده، ولا يميز بين محض وزبده وما هذا منك إلا على سبيل التهكم بنا، والاستهزاء والتنقص لنا والازدراء، إذ لا تردين علينا قولا نطقيا بل تحيلين في الجواب على من كان في المهد صبيا فعندها (قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا. وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا. والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا). هذا أول كلام تفوه به عيسى بن مريم فكان أول ما تكلم به أن (قال إني عبد الله) اعترف لربه تعالى