[آل عمران: 58 - 63]. ولهذا لما قدم وفد نجران وكانوا ستين راكبا يرجع أمرهم إلى أربعة عشر منهم ويؤول أمر الجميع إلى ثلاثة هم أشرافهم وساداتهم وهم العاقب والسيد وأبو حارثة بن علقمة فجعلوا يناظرون في أمر المسيح، فأنزل الله صدر سورة آل عمران في ذلك وبين أمر المسيح وابتداء خلقه وخلق أمه من قبله، وأمر رسوله بأن يباهلهم إن لم يستجيبوا له ويتبعوه، فلما رأوا عينيها وأذنيها نكصوا وامتنعوا عن المباهلة وعدلوا إلى المسالمة والموادعة وقال قائلهم: وهو العاقب عبد المسيح: يا معشر النصارى لقد علمتم أن محمد لنبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ولقد علمتم أن ما لاعن قوم نبيا قط فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم وإنها للاستئصال منكم إن فعلتم، فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم فطلبوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يضرب عليهم جزية وأن يبعث معهم رجلا أمينا فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح وقد بينا ذلك في تفسير آل عمران وسيأتي بسط هذه القضية في السيرة النبوية (1) إن شاء الله تعالى وبه الثقة.
والمقصود أن الله تعالى بين أمر المسيح قال لرسوله: (ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون) يعني من أنه عبد مخلوق (2) من امرأة من عباد الله ولهذا قال: (ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) أي لا يعجزه شئ ولا يكترثه ولا يؤوده بل هو القدير الفعال لما يشاء (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) وقوله: (إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) هو من تمام كلام عيسى لهم في المهد أخبرهم أن الله ربه وربهم وإلهه وإلههم وأن هذا هو الصراط المستقيم. قال الله تعالى: (فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم) [مريم: 37] أي فاختلف أهل ذلك الزمان ومن بعدهم فيه فمن قائل من اليهود إنه ولد زنية، واستمروا على كفرهم وعنادهم. وقابلهم آخرون في الكفر فقالوا هو الله وقال آخرون هو ابن الله. وقال المؤمنون هو عبد الله ورسوله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه وهؤلاء هم الناجون المثابون المؤيدون المنصورون ومن خالفهم في شئ من هذه القيود فهم الكافرون الضالون الجاهلون، وقد توعدهم العلي العظيم الحكيم العليم بقوله: (فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم).
قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل، أنبأنا الوليد، حدثنا الأوزاعي، حدثني عمير بن هانئ، حدثني جنادة بن أبي أمية، عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى