بحيال الميمنة كبر، ثم حمل على ميسرة الفرس، ثم رجع خلف المسلمين وحمل على ميمنتهم، وكان يقصف الناس قصفا منكرا وتعجب الناس منه وهم لا يعرفونه، فقال بعضهم: هو من أصحاب هاشم أو هاشم بنفسه، وكان سعد يقول: لولا محبس أبي محجن لقلت: هذا أبو محجن وهذه البلقاء. وقال بعض الناس: هذا الخضر، وقال بعضهم: لولا أن الملائكة لا تباشر الحرب لقلنا إنه ملك. فلما انتصف الليل وتراجع المسلمون والفرس عن القتال أقبل أبو محجن فدخل القصر وأعاد رجليه في القيد وقال:
لقد علمت ثقيف غير فخر * بأنا نحن أكرمهم سيوفا وأكثرهم دروعا سابغات * وأصبرهم إذا كرهوا الوقوفا وأنا وفدهم في كل يوم * فإن عموا فسل بهم عريفا وليلة قادس لم يشعروا بي * ولم أشعر بمخرجي الزحوفا فإن أحبس فذلكم بلائي * وإن أترك أذيقهم الحتوفا فقالت له سلمى: في أي شيء حبسك [هذا الرجل]؟. فقال: والله ما حبسني بحرام أكلته ولا شربته ولكنني كنت صاحب شراب في الجاهلية وأنا امرؤ شاعر يدب الشعر على لساني فقلت:
إذا مت فادفني إلى أصل كرمة * تروى عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفنني بالفلاة فإنني * أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها فلذلك حبسني. فلما أصبحت ألت سعدا فصالحته وكانت مغاضبة له، وأخبرته بخبر أبي محجن فأطلقه فقال: أذهب فما أنا مؤاخذك بشيء تقوله حتى تفعله. قال: لا جرم [والله] لا أجيب لساني إلى [صفة] قبيح أبدا!