وأما عمرو فإنه أغار أسفل المخاضة ورجع، وخرج مسعود بن مالك الأسدي؛ وعاصم بن عمرو، وابن ذي البردين الهلالي، وابن ذي السهمين، وقيس بن هبيرة الأسدي وأشباههم فطاردوا القوم فإذا هم لا يشدون ولا يريدون غير الزحف فقدموا صفوفهم وزاحفهم الناس بغير إذن سعد، وكان أول من زاحفهم القعقاع، وقال سعد: اللهم اغفرها له وأنصره فقد أذنت له إذ لم يستأذني. ثم قال: أري الأمر ما فيه هذا فإذا كبرت ثلاثا فاحملوا. وكبر واحدة فلحقهم أسد فقال: اللهم اغفرها لهم وانصرهم، ثم حملت النخع فقال: اللهم أغفرها لهم وانصرهم، ثم حملت بجيلة فعقال: اللهم اغفرها لهم وانصرهم، ثم حملت كندة فقال: اللهم أغفرها لهم وانصرهم، ثم زحف الرؤساء ورحا الحرب تدور على القعقاع، وتقدم حنظلة بن الربيع وأمراء الأعشار وطليحة، وغالب، وحمال وأهل النجدات، ولما كبر الثالثة لحق الناس بعضهم بعضا وخالطوا القوم واستقبلوا الليل استقبالا بعدما صلوا العشاء، وكان صليل الحديد فيها كصوت القيون ليلتهم إلى الصباح وأفرغ الله الصبر عليهم إفراغا، وبات سعد بليلة لم يبت بمثلها، ورأي العرب والعجم أمرا لم يروا مثله قط، وانقطعت الأخبار والأصوات عن سعد ورستم، وأقبل سعد على الدعاء، فلما كان عند الصبح انتمى الناس فاستدل بذلك على أنهم الأعلون، وكان أول شيء سمعه نصف الليل الباقي صوت القعقاع بن عمرو وهو يقول:
نحن قتلنا معشرا وزائدا * أربعة وخمسة وواحدا نحسب فوق اللبد الأساودا * حتى إذا ماتوا دعوت جاهدا الله ربي واحترزت عامدا وقتلت كندة تركا الطبري، وكان مقدما فيهم.
* * *