توجه إليهم وطلب مبارزة عبد الأسود، وابن أبجر، ومالك بن قيس فبرز إليه مالك من بينهم، فقتله خالد، وأعجل الأعاجم عن طعامهم. فقال لهم جابان: ألم أقل لكم والله ما دخلتني من مقدم جيش وحشة إلا هذا؟ وقال لهم: حيث لم تقدروا على الأكل فسموا الطعام فإن ظفرتم فأيسرها لك وإن كانت لهم هلكوا بأكله. فلم يفعلوا، واقتتلوا قتالا شديدا، والمشركون يزيدهم كلبا وثبوتا توقعهم قدوم بهمن جاذويه فصابروا المسلمين، فقال خالد: اللهم إن هزمتهم فعلي أن لا أستبقي منهم من أقدر عليه حتى أجرى من دمائهم نهرهم، فانهزمت فارس، فنادى منادي خالد الأسراء الأسراء إلا من امتنع. فاقتلوه فأقبل بهم المسلمون أسراء ووكل بهم من يضرب أعناقهم يوما وليلة. فقال له القعقاع وغيره: لو قتلت أهل الأرض لم تجر دماؤهم، فأرسل عليها الماء تبر يمينك، ففعل وسمى نهر الدم، ووقف خالد على الطعام وقال للمسلمين: قد نفلتكموه. فتعشى به المسلمون، وجعل من لم ير الرقاق يقول: ما هذه الرقاع البيض!
وبلغ عدد القتلى سبعين ألفا، وكانت الوقعة في صفر.
[ذكر وقعة أمغيشيا] فلما فرغ من أليس. سار إلى أمغيشيا - وقيل اسمها: منيشيا - فأصابوا فيها ما لم يصيبوا مثله لأن أهلها أعجلهم المسلمون أن ينقلوا أموالهم، وأثاثهم، وكراعهم وغير ذلك، وأرسل إلى أبي بكر بالفتح. ومبلغ الغنائم، والسبي، وأخرب أمغيشيا، فلما بلغ ذلك أبا بكر قال:
عجزت النساء أن يلدن مثل خالد.