وأصبح الناس ليلة الهرير _ وتسمى ليلة القادسية من بين تلك الليالي _ وهم حسرى لم يغمضوا ليلتهم كلها فسار القعقاع في الناس فقال: ان الدائرة بعد ساعة لمن بدأ القوم. فاصبروا ساعة واحملوا فإن النصر مع الصبر. فاجتمع إليه جماعة من الرؤساء وصمدوا لرستم حتى خالطوا الذين دونه مع الصبح، فلما رأت ذلك القبائل قام فيها رؤساؤهم وقالوا: لا يكونن هؤلاء أجد في أمر الله منكم، ولا هؤلاء يعنى الفرس أجرأ على الموت منكم فحملوا فيما يليهم وخالطوا من بإزائهم فاقتتلوا حتى قام قائم الظهيرة، فكان أول من زال الفيرزان، والهرمزان فتأخروا وثبتا حيث انتهيا، وانفرج القلب وركد عليهم النقع، وهبت ريح عاصف فقلعت طيارة رستم عن سريره فهوت في العتيق وهي دبور؛ ومال الغبار عليهم، وانتهى القعقاع ومن معه إلى السرير فعثروا به وقد قام رستم عنه حين أطارت الريح الطيارة إلى بغال قد قدمت عليه بمال فهي واقفة فاستظل في ظل بغل وحمله، وضرب هلال بن علفة الحمل الذي تحته رستم فقطع حباله ووقع عليه أحد العدلين ولا يراه هلال ولا يشعر به فأزال عن ظهره فقارا، وضربه هلال ضربة فنفحت مسكا، ومضى [رستم] نحو العتيق فرمى بنفسه فيه واقتحمه هلال عليه وأخذ برجليه، ثم خرج به فضرب جبينه بالسيف حتى قتله ثم ألقاه بين أرجا، البغال، ثم صد السرير، وقال: قتلت رستم ورب الكعبة، إلي إلي فأطافوا به [ولا يحسون السرير ولا يرونه] وكبروا فنفله سعد سلبه، وكان قد أصابه الماء ولم يظفر بقلنسوته ولو ظفر بها لكانت قيمتها مائة ألف.
وقيل: إن هلالا لما قصد رستم رماه رستم بنشابة أثبت قدمه بالركاب فحمل عليه هلال فضربه فقتله، ثم احتز رأسه وعلقه ونادى: قتلت رستم!