لا يهزم جيش فيهم مثل هذا. فخرج إليه ذو الحاجب. فعرفه القعقاع فنادي: يا لثارات أبي عبيد وسليط وأصحاب الجسر! وتضاربا فقتله القعقاع وجعلت خيله ترد إلى الليل وتنشط الناس وكأن لم يكن بالأمس مصيبة، وفرحوا بقتل ذي الحاجب، وانكسرت الأعاجم بذلك.
وطلب القعقاع البراز فخرج إليه الفيرزان والبنذوان فانضم إلى القعقاع الحارث بن ظبيان بن الحارث أحد بني تيم اللات فتبارزوا فقتل القعقاع الفيرزان وقتل الحارث البنذوان، ونادى القعقاع: يا معشر المسلمين باشروهم بالسيوف فإنما يحصد الناس فاقتتلوا حتى المساء فلم ير أهل فارس في هذا اليوم [شيئا] ما يعجبهم، وأكثر المسلمون فيهم القتل ولم يقاتلوا في هذا اليوم على فيل، كانت توابيتها تكسرت بالأمس فاستأنفوا عملها فلم يفرغوا منها حتى كان الغد.
وجعل القعقاع كلما طلعت قطعة من أصحابه كبر وكبر المسلمون، ويحمل ويحملون، وحمل بنو عم للقعقاع عشرة عشرة على إبل قد ألبسوها وهي مجللة مبرقعة وأطافت بهم خيولهم تحميهم وأمرهم القعقاع أن يحملوها على خيل الفرس يتشبهون بالفيلة ففعلوا بهم هذا اليوم وهو يوم أغواث كما فعلت فارس يوم أرماث، فجعلت خيل الفرس تفر منها وركبتها خيول المسلمين، فلما رأى الناس ذلك سروا بهم، فلقي الفرس من الإبل أعظم ما لقي المسلمون من الفيلة.
وحمل رجل من تميم على رستم يريد قتله فقتل دونه. وخرج رجل من فارس يبارز، فبرز إليه الأعراف بن الأعلم العقيلي فقتله، ثم برز إليه آخر فقتله، وأحاطت به فوارس منهم فصرعوه وأخذوا سلاحه فغبر في وجوههم