فقالوا له: إن أميرنا يدعوك إلى ما هو خير لنا ولك، والعافية أن تقبل ما دعاك إليه ونرجع إلى أرضنا وترجع إلى أرضك وداركم لكم، وأمركم فيكم، وما أصبتم كان زيادة لكم دوننا، وكنا عونا لكم علن أحد إن أرادكم، فاتق الله ولا يكونن هلاك قومك علن يدك، وليس بينك وبين أن تغبط بهذا الأمر إلا أن تدخل فيه وتطرد به الشيطان عنك.
فقال لهم: إن الأمثال أوضح من كثير من الكلام إنكم كنتم أهل جهد وقشف لا تنتصفون ولا تمتنعون فلم نسىء جواركم، وكنا نميركم ونحسن إليكم، فلما طعمتم طعامنا وشربتم شرابنا وصفتم لقومكم ذلك ودعوتموهم، ثم أتيتمونا. وإنما مثلكم ومثلنا كمثل رجل كان له كرم فرأي فيه ثعلبا، فقال: وما ثعلب! فانطلق الثعلب فدعا الثعالب إلى ذلك الكرم، فلما اجتمعوا إليه سد صاحب الكرم النقب الذي كن يدخلن منه فقتلهن؛ فقد علمت أن الذي حملكم على هذا: الحرص والجهد فارجعوا ونحن نميركم. فإني لا أشتهي أن أقتلكم. ومثلكم أيضا: كالذباب يرى العسل فيقول: من يوصلني إليه وله درهمان؟ فإذا دخله غرق ونشب، فيقول: من يخرجني وله أربعة دراهم؟ وقال أيضا: إن رجلا وضع سلة، وجعل طعاما فيها فأتى الجرذان فخرقوا السلة. فدخلوا فيها فأراد سدها فقيل له: لا تفعل إذن تخرقه لكن انقب بحياله ثم اجعل [فيها] قصبة مجوفة فإذا دخلها الجرذان وخرجن منها فاقتل كل ما خرج منها؛ وقد سددت عليكم [فإياكم] أن يقتحموا القصبة ولا يخرج منها أحد إلا قتل. فما دعاكم إلى ما صنعتم؟ ولا أري عددا ولا عدة!
قال: فتكلم القوم وذكروا سوء حالهم وما من الله به عليهم من إرسال رسوله واختلافهم أولا ثم اجتماعهم على الإسلام، وما أمرهم به من الجهاد،