وقالوا: وأما ما ضربت لنا من الأمثال فليس كذلك ولكن إنما مثلكم كمثل رجل غرس أرضا واختار لها الشجر وأجرى إليها الأنهار، وزينها بالقصور، وأقام فيها فلاحين يسكنون قصورها ويقومون على جناتها، فخلا الفلاحون في القصور على ما لا يحب فأطال إمهالهم فلم يستحيوا، فدعا إليها غيرهم وأخرجهم منها، فإن ذهبوا عنها تخطفهم الناس، وإن أقاموا فيها صاروا خولا لهؤلاء فيسومونهم الخسف أبدا؛ والله لو لم يكن ما نقول، حقا ولم يكن إلا الدنيا لما صبرنا عن الذي نحن فيه من لذيذ عيشكم ورأينا من زبرجكم ولقارعناكم عليه!
فقال رستم: أتعبرون إلينا أم نعبر إليكم، فقالوا: بل اعبروا إلينا.
ورجعوا من عنده عشيا، وأرسل سعد إلى الناس أن يقفوا مواقفهم، وأرسل إليهم شأنكم والعبور فأرادوا القنطرة فقال: لا ولا كرامة أما شيء غلبناكم عليه فلن نرده عليكم. فباتوا يسكرون العتيق حتى الصباح بالتراب والقصب والبراذع حتى جعلوه طريقا واستتم بعدما ارتفع النهار.
ورأى رستم من الليل كأن ملكا نزل من السماء فأخذ قسي أصحابه فختم عليها ثم صد بها إلى السماء، فاستيقظ مهموما واستدعى خاصته فقصها عليهم، وقال: إن الله ليعظنا لو اتعظنا. ولما ركب رستم ليعبر كان عليه درعان، ومغفر، وأخذ سلاحه، [وأمر بفرسه فأسرج فأتى به] فوثب فإذا هو على فرسه ولم يضع رجله في الركاب، وقال: غدا ندقهم دقا:
فقال له رجل: إن شاء الله، فقال: وإن لم يشأ. ثم قال: إنما ضغا الثعلب حين مات الأسد، يعني كسرى،، وإني أخشن أن تكون هذه سنة القرود، وإنما قال: هذه الأشياء توهينا للمسلمين عند الفرس؛ وإلا فالمشهور عنه الخوف من المسلمين وقد أظهر ذلك إلى من يثق به.