ابتلانا به والدنيا دول، ولم يزل أهل الشدائد يتوقعون الرخاء حتى يصيروا إليه، ولم يزل أهل الرخاء يتوقعون الشدائد حتى تنزل بهم ولو شكرتم ما آتاكم الله لكان شكركم يقصر عما أوتيتم وأسلمكم ضعف الشكر إلى تغير الحال، ولو كنا فيما ابتلينا به أهل الكفر لكان عظيم ما ابتلينا به مستجلبا من الله رحمة ورأفة علينا، إن الله تبارك وتعالى بعث فينا رسولا، ثم ذكر مثل ما تقدم من ذكر الإسلام، والجزية، والقتال. وقال له: وإن عيالنا قد ذاقوا طعام بلادكم فقالوا: لا صبر لنا عنه.
فقال رستم: إذا تموتون دونها فقال المغيرة: يدخل من قتل منا الجنة ومن قتل منكم النار، ويظفر من بقي منا بمن بقي منكم.
فاستشاط رستم غضبا ثم حلف أن لا يرتفع الصبح غدا حتى نقتلكم أجمعين. وانصرف المغيرة وخلص رستم بأهل فارس وقال: أين هؤلاء منكم! هؤلاء والته الرجال صادقين كانوا أم كاذبين، والله لئن كان بلغ من عقلهم وصوبهم لسرهم أن لا يختلفوا فما قوم أبلغ لما أرادوا منهم، ولئن كانوا صادقين فما يقوم لهؤلاء شيء. فلجوا وتجلدوا.
فأرسل رستم رسولا مع المغيرة وقال له: إذا قطع القنطرة فأعلمه أن عينه تفقا غدا فأعلمه الرسول ذلك فقال المغيرة: بشرتني بخير وأجر، ولولا أن أجاهد بعد هذا اليوم أشباهكم من المشركين لتمنيت أن الأخرى ذهبت. فرجع إلى رستم فأخبره فقال: أطيعوني يا أهل فارس إني لأرى لله فيكم نقمة لا تستطيعون ردها.
ثم أرسل إليه سعد بقية ذوي الرأي فساروا، وكانوا ثلاثة، إلى رستم