ولا طعام، واختلط الغبار بالعرق على رأسي ووجهي وأطرافي، وأنا مشغول في مطالعاتي واستنساخي، حتى العصر وأخذني الإعياء، ولم أصل فريضتي الظهر والعصر، ولا مر علي أحد، وقد احتجت إلى الماء لأشرب وأتطهر.
عند ذلك طرقت الباب الداخلي فجاء الشيخ والنعاس في عينه فارتبك لما رآني بهذه الحالة، ثم قال: أنت لا تزال هنا؟!! وما هذا الغبار الذي يعلو رأسك ووجهك. فوالله لقد نسيت أنك لا تزال هنا بهذا الحر، ونسيتك تماما، وقد تغدينا ولم يبق عندنا شئ نقدمه لك من الطعام إلا القليل.
قال الشيخ: لا بأس عليك، آتني بماء لأشرب وأتوضأ، فنزل مسرعا وجاء بالماء، وبعد أن أتم الشيخ صلاته جاءه بالطعام معتذرا لقلته، وقال: هذا الذي فضل من غدائنا - مما يدل على أن شهر الصيام لم يصل إلى دارهم بعد - وهناك كلام كثير حول هذا، ولكني أطوي عنه، روما للاختصار.
وعلى أي حال فقد حصل سماحته على بغيته، واستنسخ ما يريد استنساخه بعد العمل المضني الشاق، وهكذا يكون طريق ذات الشوكة من الأولياء، والمجاهدة في سبيل تحقيق ما يصبون إليه، وهذه واحدة من المعاناة التي تحملها العلامة الأميني في تثبيت ركائز ودعائم الدين والولاء.
فجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء، وحشره مع المجاهدين الصابرين.
زارني الليلة وهي ليلة الجمعة الخامس من شهر الصيام 1416 ه في داري بقم المشرفة، العلامة المجاهد الشيخ محمد مهدي الآصفي، وجرى حديث شيق عن العلماء والكتب والكتاب والمؤلفين، كما جرى ذكر العلامة الأميني (قدس سره) فذكرت شذرات من حياته الشريفة، فانبرى سماحة الشيخ الآصفي وحدثني قصة سمعها عن المرحوم العلامة الأميني نقلا عن حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد النوري الذي كان ملازما له ومكتبته في النجف الأشرف، وقد سمع القصة منه (قدس سره) مباشرة - أنقلها بالمعنى - قال العلامة الأميني: كنت في إحدى ليالي الجمع زائرا حرم أمير