مثل والدنا تتلطف علينا، ثم سألهم: هل إن والدكم قصر في حقكم وفي تربيتكم، وتعليمكم، والصرف عليكم؟، قالوا: لا، بل تفضل، ونحن دائما نذكره بالخير ونترحم عليه ثم أخذ يبين لهم حقوق الأبوين، ويحثهم على البر بهما، حيين كانا أو ميتين، وما أحوجهما إليهم بعد وفاتهما إلى البر بهما.
ثم قال لهم: إني رأيت والدكم قبل أيام، كما يرى النائم، أنه في حال سيئة للغاية يرثى لها ومعذب بأشد العذاب، كل ذلك بسبب بنائه دار السينما، ويقول: كل عرض فيلم يقام في دار السينما يقيمون ملائكة جهنم له حفلا مثلها، وهو الآن يستصرخكم، ويناشدكم بحق الأبوة التي له عليكم أن تنقذوه من هذا العذاب وتخلصوه من هذه الورطة، وهو يطلب منكم أن تهدموا دار السينما.
وجم الورثة لما سمعوا طلب أبيهم، وصار كل واحد منهم ينظر بوجه الآخر وهم في ذهول ودهشة!!
أخيرا طلب كبيرهم مهلة، لينظروا في أمرهم ويتشاوروا فيما بينهم، وقد مر الأسبوع والأسبوعان والثلاثة، وما حرك واحد منهم ساكنا، إلى أن دعاهم مرة ثانية، وعمل لهم وليمة فاخرة، وسألهم عما توصلوا إليه من رأي؟ أجابه كبيرهم مستفسرا من الحاج: أليس المرحوم والدنا هو الذي بنى دار السينما؟ قال: نعم، ولكنه ندم على غلطته وتحمل عذابه، وهو ينشدكم الله أن تنقذوه.
قالوا: هو الذي غلط وهو الذي يتحمل غلطته!! ونتائجها! ونحن لا يسعنا أن نهدم هذا الصرح الشامخ.
تعجب الحاج وبهت من جواب الورثة، وصارت له هذه الحادثة المؤلمة درسا وعبرة، أهكذا يكون جوابهم، وهل من الوفاء أن يتركوا أباهم يعذب عدة مرات باليوم وهم يتنعمون بما خلفه لهم!! وبالتالي سيلحقهم العذاب مثله.
فليعتبر المعتبرون؟!! " ومن سن سنة سيئة " إلى آخر الحديث.