على الأمة ردحا من الزمن فها أنا قيضت لأقشعها.
أراها وإن طالت علينا فإنها * سحابة صيف عن قليل تقشع وإن معاثر التمويه وإن تكدست فإن ذمتي هنة باكتساحها، وكتابي هذا العلم الهادي، وضياء النادي، يوقفكم على مركز الخلافة، ومرتكزا لوائها، ومصب نصوصها، ومنبثق أنوارها، ويلمسكم الحق الصراح، مسفرا عن محياه الوضاء، بعد أن جللته ظلم التمويه.
وها أنا ذا أعرف القالة من أين يؤكل الكتف، وكيف يفشل التدجيل، إن الواقف على مجلدات كتاب " الغدير " عن كثب يعلم أن هذا الوصف دون ما فيه، وأن السامع به يحسب لأول وهلة أنه مقصور على موضوعه، لكنه عند ورود منهله العذب يجد فيه البحث والتنقيب حول كثير من براهين الإمامة، والاكتساح لطوائف من الأشواك المتكدسة أمام سير السالكين، ودحض ما هنالك من قوارص تشق العصا، وتفرق الكلمة، والكشف عما وراء الأكمة من نوايا سيئة، ومعاول هدامة، والتنزيه لامته عما ألصقت بها أقلام مستأجرة من شية العار، وشوهت سمعتها سماسرة الأهواء بأساطيرهم المائنة. وهنالك مسائل جمة من فقه وكلام وتفسير وحديث وتاريخ كشف عنها الغطاء بعد تمويه متطاول، وإصفاق عليه متواصل، بعدما تصادمت عليه نزعات وأهواء، واحتدمت إحن وشحناء.
ما أسفت كأسفي على عصر الثقافة والتنقيب، عصر النور والتفاهم، هذا العصر الذي تمخضت فيه الحقائق، وظهرت البواطن، وعرفت المغازي، وتمرنت الأحلام، بتحري كل صحيح، وتحكيم الأصول الثابتة، أن يحصل فيه دجالون يقتصون أثر أولئك الماضين الذين نمتهم العصور المظلمة، فطفقوا يعشون في حلك العمى، ويتخبطون في خطيات جهل دامسة، فيعثرون بكل ربوة، ويسفون إلى كل هوة، ولهم قلوب لا يفقهون بها وعيون لا تبصر ضوء الحق، وأسماع لا تصيخ إلى هتافة.
وشتان بين هؤلاء وأولئك، فإن قضاء الطبيعة كان يلزم من عاصرناه