ومصر، ودمشق، وبيت المقدس، ومقام الخليل إبراهيم (عليه السلام).
ومن تأمل في مدة عمره الشريف ومسافرته إلى تلك البلاد، وتصانيفه الرائقة في الفنون الشرعية وأنظاره الدقيقة، وتبحره في الفنون العربية والأدب والأشعار، والقصص النافعة - كما يظهر من مجاميعه - يعلم أنه من الذين اختارهم الله تعالى لتكميل عباده، وعمارة بلاده، وأن كلما قيل أو يقال في حقه فهو دون مقامه ومرتبته.
أما كيفية مقتله وشهادته، فقد قال صاحب " الروضات ":
نقل عن خط ولد الشهيد على ورقة إجازته لابن الخازن الحائري ما صورته: استشهد والدي الإمام العلامة كاتب الخط الشريف " شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مكي " شهيدا حريقا بعده بالنار، يوم الخميس التاسع من جمادى الأولى سنة ست وثمانين وسبعمائة هجري 786 ه، وكل ذلك فعل به برحبة قلعة دمشق.
وفي " اللؤلؤة ": إنه قتل بالسيف ثم صلب، ثم رجم، ثم أحرق بالنار ببلدة دمشق في سلطنة " برقوق " (1) بفتوى برهان الدين المالكي وعباد بن جماعة الشافعي، وتعصب جماعة كثيرة بعد أن حبس في قلعة دمشق سنة كاملة، وكان سبب حبسه أن وشى عليه تقي الدين الجبلي ويوسف بن يحيى، وكتب يوسف محضرا يشنع فيه على الشيخ المترجم بأقاويل شنيعة وعقائد غير مرضية عزاها إليه، وشهد فيه سبعون من أهل الجبل من أقوام حناق على المترجم له، وكتب في هذا ما ينيف على الألف من أهل السواحل من رعرعة الناس وأثبتوا ذلك عند قاضي بيروت وقاضي صيدا.
فأتوا بالمحضر إلى القاضي عباد بن جماعة بدمشق فأنفذه إلى القاضي المالكي، فقال له: تحكم فيه بمذهبك وإلا عزلتك، فجمع الملك " بيدمرو " الأمراء