وقال عمر بن يزيد: ان ابن أخي هشام كان في أوائل أمره من أصحاب جهم بن صفوان ويسلك مذهبه، وكان خبيثا في الغاية، فالتمس مني أن أذهب به إلى خدمة الإمام جعفر الصادق عليه السلام حتى أناظره، فقلت له: إني لا أتمكن من ذلك حتى استرخصه وأستأذن منه.
فلما وصلت إلى خدمته عليه السلام فطلبت اذن دخول هشام في مجلسه، فأذن الدخول، فلما خرجت من خدمته فالتفت إلى قريحته وطلاقة لسانه وظرافة كلامه وحذاقته، فلا جرم عدت إلى الإمام عليه السلام فأخبرته عن حاله، فقال: أنت علي خائف، فندمت وخجلت مما قلت له.
فخرجت ثانيا وأخبرته عن اذن الإمام عليه السلام، فدخلت معه في مجلس الإمام عليه السلام، فلما استقر هشام سأل عليه السلام منه مسألة، فتحير فاستمهل أياما حتى يتأمل فيها، فأمهله فاضطرب وخرج من المجلس وطلب الجواب أياما فلم يجده، فعاد إلى خدمته فاستفاد الجواب من نفسه الشريفة. ثم سأل الإمام عليه السلام مسألة أخرى متضمنة لفساد المذهب المخترع لهشام، فخرج من عنده مغموما متحيرا.
قال عمر بن يزيد: انه طلب مني أن نذهب به إلى خدمة الامام دفعة أخرى بعد تحيره في عدة أيام، فلما عرضت الحال على الإمام عليه السلام فقال: يحضر الغد في المكان الفلاني فنلاقيه هناك، فأخبرته عن اذنه فصار مسرورا، فذهب إلى ذلك المكان منتظرا لقدومه عليه السلام، فتشرف في خدمته.
فلما عاد قال عمر بن يزيد: سألت منه ما وقع بينه وبين الإمام عليه السلام قال: لما ذهبت إلى المكان كنت منتظرا لقدومه الشريف، فرأيته راكبا على بغلة فلما دنى اثر مهابته وصولته في قلبي، فلم أجد شيئا حتى أتكلم معه وكل لساني عن المقالة، فتأمل الإمام عليه السلام لحظة لينفتح لساني، فرأى عليه السلام أنه كلما زاد مكثا زاد له حيرة، فانصرف الإمام عليه السلام إلى بعض الطرق من تلك الناحية، فجزمت أن ما وقع لي من الهيبة ليس الا من جانب الله تعالى ومن جهة قربه ومنزلته عليه السلام عنده.