فيه، فقال له أبو منصور: أنت حكيم وليس لك خبر واطلاع باللغة وهي محتاجة إلى السماع ولم تتبع في متن اللغة، فاستنكف الشيخ من هذا الكلام.
فواظب اللغة والمطالعة فيها ودرسها فضبطها في قليل من الزمان، فأنشد قصائد ثلاثة ورسائل كذلك وأدرج فيها الألفاظ الغريبة واللغات العجيبة وسودها في قراطيس عتيقة، ودفنها في جلود مندرسة لها صورة الاستعمال والاندارس، فطلب من علاء الدولة مجمعا بين أبي منصور وبينه، فقل له اني وجدت هذه الأوراق من المنافذ وأريد الاطلاع على مضامينها وترجمتها، فعمل بمقتضى سؤاله، فسئل من أبي منصور معاني تلك الألفاظ في الأوراق، فمهما اختفى عليه معنى لغة منها بينها الشيخ ويقول:
انها في الكتاب مسطور ومعناها كذا وكذا.
فالتفت أبو منصور من مزيد الكياسة والفطانة أن هذه القصائد والرسائل من مؤلفات الشيخ، فلا جرم قد قدم بالاعتذار وأقر بفضيلة الشيخ وتقدمه في كل العلوم.
وقد نقل أنه قد كتب رسالة في المنطق، فاتفق وقوعها في شيراز بيد علمائها، وقد اشتبه عليهم كثير من مواضعها لم ينكشف، فثبتوا موارد الاشتباه في جزء وأعطوه بيد أبي القاسم الكرماني يحمله إلى الشيخ وينحل عقدها ويرتفع الحجاب والستور عن وجوهها، فوصل إلى أصفهان عند غروب الشمس في فصل الحرارة، فلاقاه وأخذ الجزء.
فلما فرغ من صلاة العشاء الآخرة اشتغل بمطالعته وتدوين جوابه، وقد كتب في خمسة أجزاء كل جزء عشرة أوراق، ثم نام وصلى صلاة الصبح أداءا على قانونه وطريقته، وأعطى الاجزاء بيد أبي القاسم وقال: استعجلت في الجواب، فتعجب أبو القاسم.
ومن اطلع على مثل هذا الامر الغريب والانصاف أنه في محله، وإن كان كل ما صدر منه من الافعال وحدة النظر والفطانة حتى في الطفولية من أعجب العجاب، قد سطروها أرباب السير في كتب التواريخ، لا مجال لذكرها واندراجها