فصار مسرورا مشعوفا.
روي أن السلطان أمير نوح بن منصور عرض له المرض الصعب الشديد، فعجز عنه الأطباء الحذاق، فرجعوا في معالجته إلى الشيخ الرئيس، فداواه فاتفق له الصحة، فامر بملازمته له، فاستجاز من السلطان أن يكون في بيت الكتب الخاصة برهة من الزمان، فأجازه وأذنه فسار في مطالعتها، ولازم الاشتغال بها، واستفاد منها حظا وافرا، فاتفق وقوع النار في بيت الكتب، فاحترقت النسخ بتمامها، فادعى أعداؤه أن ذلك صدر منه متعمدا، لينتسب إلى نفسه المسائل المستخرجة من الكتب المحترقة.
وبالجملة فاشتغل بالتصنيف والتأليف. ومات أبوه وقد بلغ سنه إلى اثنين وعشرين سنة. وفي هذه الأوقات صار أمر سلطنة آل سامان موهونا متزلزلا فتوجه الشيخ من بخارا إلى خوارزم، وكان عند خوارزم شاه علي بن مأمون بن محمد جماعة من الفضلاء والحكماء، كأبي سهيل المسبحي وأبي الخير الخمار وغيرهم، ملازمين في خدمته وصحبته. ولما سمع الشاه ورود الشيخ، فأكرمه ورباه وقرر له ما يحتاج إليه من المعيشة.
ففي ذلك الوقت استولى السلطان محمود السبكتكين على مملكة ملوك الساماني، وذموا عنده الشيخ الرئيس بكونه مخالفا لمذهب أهل السنة والجماعة، والسلطان كان متعصبا في هذا المذهب، فهم إلى الشيخ ليأخذه، فلا جرم أرسل إلى خوارزم شاه رسلا عقلاء ذوي الكياسة والفطانة، ليعرضوا عليه أنه طلب منكم الحكماء الذين في خدمتك ليستفيد منهم كما استفدت من صحبتهم.
وقبل ورود تلك الرسل بلغ الخبر إلى السلطان خوارزم شاه، فأحضره وأخبر ما أراد بهم السلطان محمود، أنه طلب منه الرخصة من ذهابهم عنده في مدة كذا وكذا، ثم قال لهم: كل من كان منكم مايلا إلى صحبة السلطان فقفوا، ومن لم يكن مايلا بصحبته بل معرضا عن ذلك فالرأي الارتحال من هذا البلد قبل ورود الرسل.
فهرب الشيخ وأبو سهل من طريق الصحراء، فأتوا في الغد وقصوا الرسالة،