ثم بعد ذلك توجه شمس الدولة إلى محاربة ابن عمه بهاء الدولة في بغداد، فقبل الورود إلى تلك البلدة عرض له المرض مره ثالثة، فانعطفوا عنان مراكبهم إلى المعاودة والمراجعة إلى همدان، فتوفي في الطريق وقام مقامه ابنه، فالتمسوا من الشيخ أن يقبل أمر الوزارة كما كان وزيرا لأبيه فلم يقبل منهم.
وفي هذا الحال أرسل علاء الدولة ابن خالد مجد الدولة من أصفهان إلى الشيخ فامتنع من الذهاب واختفى في بيت أبي طالب العطار، ومع عدم الأسباب أسبغ جمع الطبيعيات والإلهيات من الشفاء وأخذه تاج الدولة ابن شمس الدولة لظنة به من مكاتيب علاء الدولة، وحبسه في قلعة من القلاع، فكتب في هذه المدة القليلة لم تزد على أربعة أشهر تصانيف كثيرة، كرسالة حي بن يقظان ورسالة الطير، وكتاب الأدوية الفلسفية، إلى غير ذلك من التأليفات.
ثم أن علاء الدولة جمع العسكر من أصفهان إلى محاربة تاج الدولة، فاستولى على مملكته ورجع إلى أصفهان، وجاء تاج الدولة مع الشيخ من القلعة التي حبس فيها الشيخ إلى همدان، ففر الشيخ بدلالة أطراف مملكته وأخيه محمود وتوجه إلى أصفهان فلما اطلع علاء الدولة من تلك الواقعة، أمر خواصه وغيره أن يستقبلوه ويدخلوه في البلد بالاعزاز التمام ومنتهى الاحترام.
فآواه إلى منزل يناسب حاله، ويجئ في كل ليالي الجمعات عنده، فإذا تكلم فكل من الحاضرين من الأفاضل والأجانب يسكتون، ولا يقتدر أحد على التفوه بكلام، وصنف في أصفهان أيضا نسخا. فذات يوم عند علاء الدولة انجر الكلام إلى علم الرصد، وبين الشيخ خلل ما في الرصدات القديمة والنقص في التقاويم المستخرجة منها، فالتمس علاء الدولة منه ان يعقد رصدا جديدا، وأعطي من الخزينة ما يحتاجون إلى أعمال الرصد، فاشتغل في عقده ولكن بواسطة كثرة الاسفار وتراكم العوائق لم يتم.
وقد روي أن أحدا من فحول علماء أصفهان المسمى بأبي منصور كان حاضرا في مجلس السلطان علاء الدولة، فبلغ الكلام إلى علم اللغة، فتصرف الشيخ