فلانية، وليس لمرضه علاج الا بوصالها، فتفحصوا فصار قوله مطابقا للواقع، فلما سمع قابوس تعجب فأحضره في مجلسه، فلما نظر إليه بعد دخوله المجلس علم أنه صاحب الصورة التي أرسلها السلطان محمود إلى جرجان، فبجله وعظمه وأكرمه وبالغ في احترامه، الا أن أركان دولته تمردوا عن اطاعته بسبب مذكور في التواريخ، فأخذوه، وخلفوا مقامه ابنه منوجهر الملقب ب " فلك المعالي ".
فذهب الشيخ بعد ذلك إلى دهستان، فآواه أبو محمد الشيرازي في منزله وصار مضيفا له، وبالغ في خدمته ولم يفرط في لوازم الاكرام والاعزاز قط، وقرأ عليه كتاب المجسطي وحرر له الأوسط الجرجاني المكتوب في فن المنطق، وغير ذلك من المصنفات، فبعد برهة من الزمان ارتحل إلى مدينة الري، وفي ذلك الوقت توفى فخر الدولة الديلمي وقام مقامه ولده مجد الدولة، الا أن كفالة الملك وتنظيم الأمور إنما هي بيد السيدة خواتون أمه.
وقبل قدومه إلى الري وكان قد سمع مجد الدولة اسمه وأوصافه، فبجله ووقره بعد قدومه ووصوله إلى الري، وفي خلال هذا الآوان مرض مجد الدولة بمرض الجنون والصرع، وقد أزاله بحسن التدبير وكفايته، ثم إن شمس الدولة لما عزم محاربة هلال بن بدر الدين، فانهزم عسكر بغداد ذهب الشيخ إلى قزوين، ثم توجه إلى همدان وصار مختلطا مع شمس الدولة رفيقا شفيقا له، متبوع القول عنده، فعرضه مرض القبض فداواه فأكرمه وخلعه بخلع ثقيل القيم، وجعله وزيرا مقدما على أولياء دولته، وصار ذلك سببا لبغض أعيان مملكته، فهموا قتله فهرب منهم وأخذوا أمواله وأسبابه من الكتب وغيرها.
ثم عاد مرض شمس الدولة، فطلبه الامراء وخرج من زاوية الاختفاء إلى مجلسهم، ففتحوا لسان الاعتذار والندامة على فعلهم عليه، ثم داواه في المرة الثانية وجلس في مسند الوزارة ثانية، وكابت مشاغله في اليوم كثيرة، لم يتمكن من الاشتغال بالدرس والبحث والتأليف، فاشتغل بالإفادة في الليالي، وبعد الفراغ يشتغل بالملاهي والألحان الحسنة والتغني والنغمات وشرب الخمر.