والقواعد الأدبية وسنه عشر سنين، فتلمذ عند محمود مساح في علوم الحساب والهندسة والجبر والمقابلة بإشارة والده.
فإذا بلغ الحكيم عبد الله بابلي إلى بخارا، فعظمه والد الشيخ وأكرمه، وعززه، وقد قرأ عليه المنطق من أقسام مسائل الحكمة والاقليدس والمجسطي. وبعد ذلك اشتغل في الحكمة الطبيعية والإلهية، ففتحت له أبواب العلوم. ثم اشتغل بتحصيل علم الطب، فترقى في زمان قليل، فصار وحيدا في ذلك الفن، حتى أن المهرة فيه يحضرون درسه، ويستفيدون من درر تدقيقاته، ومع ذلك يستفيد مسائل الفقه والأصول من مجلس إسماعيل الزاهد.
ولم يزل مشغولا بالمطالعة والكتابة، وينوم في الليل قليلا، وكلما حصل له الشبهة في المسألة كان يذهب إلى المسجد الجامع بعد الوضوء، فيصلي ركعتين خاشعا متضرعا، فيدعو بعدهما ملحا مصرا حتى ينكشف له الشبهة والعويصة.
نقل أنه لما غلب عليه النوم في الليالي كان يشرب كأسا من الخمر. قال صاحب الروضة: انه لم يسبق إليه أحد في شرب الخمر من الحكماء، حتى الذين كانوا قبل بعثة محمد صلى الله عليه وآله، كافلاطون وأرسطو وغيرهما من الحكماء السابقين، لم يعرف منهم شرب الخمر، وهو كان متلذذا بجميع الشهوات النفسانية مبالغا في المعاصي، وقد اقتفوا به سائر الحكماء الذين حدثوا بعد.
فلما بلغ سنه إلى ثمانية عشر فارغ من جميع العلوم من المنطقية والرياضية والطبيعية، فمال إلى علم ما بعد الطبيعة، فاشتغل بمطالعة ما كتب في ذلك العلم، فقرأه كرارا الا أنه قد بقي له الشبهة في كثير من عباراته غير منحلة، وقد خاض في حياض التفكر والتدبر فلم ينكشف له العقدة، فبئس من الحل وزعم انسداد طريقه، فذات يوم عبر إلى سوق الصحافين، فالتفت إلى نسخة مكتوبة في أعراض ما بعد الطبيعة، وحثه الصحاف إلى اشترائه، فاعرض عن كلامه لما حصل له اليأس من فهم ذلك العلم، ثم أصر عليه وقال: ان صاحبها فقير محتاج، فاشتراها بثلاث درهم، وهي مما صنفها الفارابي، فبعد مطالعتها قد ارتفع له الشبهة وانكشف له ما خفي عليه،