وعفة وتقشف، وفيه مراعاة للأهل والعشيرة، وهو أول طالبي جعل عليه السواد.
وكان عالي الهمة شريف النفس لم يقبل من أحد صلة ولا جائزة، حتى أنه رد صلة أبيه، وناهيك بذلك شرف نفس وشدة صلف. وأما الملوك من بني بويه فإنهم اجتهدوا على قبول صلاتهم فلم يقبل. وكان يرضي بالاكرام وصيانة الجانب واعزاز الاتباع والأصحاب.
وذكر أبو الفتوح ابن جني في بعض مجاميعه قال: أحضر الرضي إلى ابن السيرافي النحوي وهو طفل جدا لم يبلغ عمره عشر سنين، فلقنه النحو. وقعد معه يوما في الحلقة، فذاكره بشئ من الاعراب على عادة التعليم، فقال: إذا قلنا رأيت عمر فما علامة نصب عمر؟ فقال له الرضي: بغض علي عليه السلام، فتعجب السيرافي و الحاضرون من حدة نظره.
وكانت وفاة الرضي بكرة يوم الأحد لست خلون من المحرم سنة ست وأربعمائة، وحضر الوزير فخر الملك وجميع الأعيان والاشراف والقضاة جنازته والصلاة عليه، ودفن في داره بمسجد الأنباريين بالكرخ، ومضى أخوه المرتضى من جزعه إلى مشهد مولانا الكاظم عليه السلام، لأنه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته، ودفنه وصلى عليه فخر الملك أبو غالب، ومضى بنفسه آخر النهار إلى المرتضى إلى المشهد الشريف الكاظمين، فألزمه بالعود إلى داره، ثم نقل الرضي إلى مشهد الحسين عليه السلام بكربلاء ودفن عند أبيه، ورثاه أخوه المرتضى بقصيدة بليغة، وكذا رثاه تلميذه مهيار بن مرزويه الكاتب بقصيدة (1).
سمعت من الاساتيد أنه طاب ثراه كان أزهد أهل زمانه وأورع أهل عصره، حتى أنه لكثرة الزهد والورع لا يأتم بأخيه المرتضى مع علو شأنه وارتفاع مكانه عند الخاصة والعامة، فشكى أخوه منه عند والدته فاطمة، فنصحته وقالت: عليك بتبجيل أخيك وحضور درسه والمواظبة في جماعته.